وإذا نال الداعية حظا وافيا من العلم واندرج في سلك طلبة العلم فإنه يكون في مجتمعه نبراسا يهتدى به, كما قال ابن القيم عن الفقهاء: «إنهم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء, بهم يهتدي في الظلماء، حاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء» (?). وعندما يتحرك الداعية ناشرا علمه ساعيا بين الناس بالإصلاح, ناعيًا عليهم الغفلة والفساد فإنه يحظى بشرف الوصف الذي ذكره الإمام أحمد حين قال: «الحمد لله الذي جعل في كل فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله تعالى الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح الناس عليهم» (?). وأهل العلم والبصيرة من الدعاة شهد التاريخ أنهم «هم من اهتدى بهم الحائر، وسار بهم الواقف، وأقبل بهم المعرض، وكمل بهم الناقص، ورجع بهم الناكص، وتقوى

بهم الضعيف» (?).

ومن أهم العلوم التي يجب أن يهتم بها الدعاة علم القدوم على الآخرة الذي قل وجوده بين الناس، وبين طلاب العلم، والذي بدونه لا يعتبر العالم عالما وإن حفظ الشروح والمتون والأحكام, وملأ رأسه منها ورددها على لسانه. إن هذا العلم لب العلوم وغايته، وكل مسلم محتاج إليه, والعالم أشد حاجة إليه، والداعي أحوج من الجميع إليه. إن هذا العلم هو الذي فقهه الصحابة الكرام وأشربت به قلوبهم وتنورت به عقولهم فضنوا بوقتهم أن يذهب سدى من غير طاعة الله ودعوة إليه، فاجتهدوا في أمور الخير وسارعوا في الخيرات، وحرصوا على الطاعات وتسابقوا في الدرجات حتى

جاءتهم آجالهم (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015