إن هذه الواجبات المنوطة بالدعاة تحتاج إلى تميز إيماني وتفوق روحاني، ورصيد علمي وزاد ثقافي ورجاحة عقل وقوة حجة، ورحابة صدر وسماحة نفس حتى يستطيع الدعاة تحقيق واجباتهم المذكورة.
إن القرآن الكريم قد بيَّن واجبات الدعاة في آيات كثيرة, ومن الآيات الجامعة في هذا الباب قوله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا} [الأحزاب: 29].
إن التقصير في القيام بهذا الواجب، إثم ومعصية, ولقد بيَّن المولى عز وجل ذلك في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ} [البقرة: 159].
والمعنى أن من عرف الحق، فقد وجب عليه أن يبينه للناس، ومن لم يفعل فقد أثم.
كما نعى الله ذلك الكتمان على أهل الكتاب في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 187].
وإذا كانت آيات القرآن الكريم قد أوجبت على الدعاة، وأهل العلم، أن يبلغوا الناس بهذا العلم, فإن السنة المطهرة شارحة القرآن قد فاضت بالأحاديث في هذا المجال.
روى الإمام البخاري بسنده، عن ابن عباس رضي الله عنهما، باب تحريض النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفد عبد القيس (?) على أن يحفظوا الإيمان والعلم، ويخبروا من وراءهم, قال مالك بن الحويرث (?)، وهو من بني عبد قيس: قال لنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ارجعوا إلى