ونلاحظ في الآيات القرآنية الكريمة التي تكلمت عن خطة يوسف عليه السلام عنصر الأمل والتفاؤل, وهذا الأمر مهم في الخطة الناجحة، قال تعالى: {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 49].
إن بعد الشدة التي أشار إليها يوسف انفراجا ورخاء، وستعود الأمور بإذن الله تعالى إلى سيرتها الأولى، ولكن بداية العودة تكون عاما مباركا غير معهود العطاء وفرة وكثرة، وكأن الخير فيه سيفيض بغير جهد، فهو عام فيه يغاث الناس أي: يسقون الغيث، أو يغاثون: ينجدون من الغوث، وكل ذلك متلازم، «وفيه يعصرون» إشارة أخرى إلى فيض الخير، فلا يلجأ الناس إلى العصر للثمار إلا بعد أن تفيض عن حاجة الاستهلاك الأساسية وهي الأكل.
ولابد من الأمل والتفاؤل في أي خطة، وإلا فإن كان لا أمل فما الداعي إلى العمل، ولقد حرك يوسف عليه السلام دوافع العمل عندهم بتحذيرهم من شدة سنوات القحط، ثم حركها ثانية بفتح نافذة الأمل (?).
إن يوسف عليه السلام كان مظلومًا مضطهدًا في سجن الملك وهو يملك من المعلومات والخطط ما يجعله في محل قوة عند المفاوضة إلا أنه لا يشترط لنفسه شيئا، بل جادت نفسه الزكية بالتفضل بالخير والعطاء والنصح والإرشاد بدون أي مقابل من الخلق، وهذه الأخلاق الكريمة والصفات الجميلة يكرم الله بها من يريد أن يجعله قدوة لدينه ومعلما لدعوته، كما نلاحظ أن يوسف عليه السلام كان مستوعبا لفقه الخلاف حيث إن الملك وشعبه بعيدون عن منهج الله، منغمسون في مناهج الجاهلية, ومع هذا التقى معهم في الخير المحض والسعي نحو إنقاذ البلاد والعباد من محنة المجاعة والقحط, وهذه السعة في الفهم والاستيعاب العميق يحتاجها من يتصدى لدعوة الناس ودفعهم نحو تمكين دين الله في الأرض.
لقد كان من ثمار تدبير يوسف عليه السلام وتخطيطه أن حفظ شعبًا من الهلاك