روى إمام المفسرين ابن جرير الطبري بسنده عن قتادة, قال: (كانت القبلة فيها بلاء وتمحيص, صلت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم نهي نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , وصلى نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد قدومه المدينة مهاجرًا نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرًا ..
ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام .. فقال في ذلك قائلون من الناس: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها, لقد اشتاق الرجل إلى مولده, قال الله عز وجل: {قُل للهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [البقرة:142] , فقال أناس -لما صُرفت القبلة نحو البيت الحرام-: كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:143] , ثم أورد الإمام الطبري إحدى عشرة رواية عن الصحابة والتابعين في أن المراد بالإيمان في الآية الصلاة, وأنها نزلت جوابًا على تساؤل لبعض الصحابة عن مصير الصلاة التي صلوها إلى بيت المقدس, وتساؤل آخرين منهم عن مصير صلاة إخوانهم إلى بيت المقدس الذين ماتوا قبل تحويل القبلة إلى الكعبة (?).
فمعنى قوله: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ" على ما تضافرت به الرواية من أنه الصلاة, وما كان الله ليضيع تصديق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصلاتكم التي صليتموها نحو بيت المقدس عن أمره, لأن ذلك كان منكم تصديقًا لرسولي, واتباعًا لأمري, وطاعة منكم لي) (?).
وقد التفت الإمام الطبري إلى الربط بين الإيمان والصلاة, ولاحظ وجود التصديق في ممارسة الصلاة والتوجه فيها إلى بيت المقدس ثم إلى الكعبة المشرفة, وهذه اللفتة من الطبري لطيفة, وهذا الربط منه رائع, يشير إلى موهبته الفذة في التفسير واللغة وغيرهما (?).
ومن الآيات التي أطلقت كلمة الإيمان على الأعمال قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ