لشخص عادي, ولا يمكن أن يحققها حاكم بحوله وقوته وذكائه مهما بلغ, إلا أن يكون مؤيدًا من الله, ذلك التأييد الذي ينصر الله به عباده المؤمنين, ويدل على هذه العناية أيضًا ضمير العظمة في قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [النمل:84] أي: أمده بكل ما أراده من مهمات ملكه ومقاصده المتعلقة بسلطانه, فزوده بعلم منازل الأرض وأعلامها وعرفه ألسنة الأقوام الذين كان يغزوهم, فكان لا يغزو قومًا إلا كلمهم بلسانهم (?).
لقد أعطاه الله تعالى من كل شيء سببًا, وينصرف ذهن السامع أو القارئ إلى وجوه التمكين له في الأرض, وأسبابه من العلوم والمعرفة واستقراء سنن الأمم والشعوب صعودًا وهبوطًا, وفي سياسة النفوس أفرادًا وجماعات؛ تهذيبًا وتربية وانتظامًا, وأعطاه من أسباب القوة من الأسلحة والجيوش وأسباب القوة والمنعة والظفر, وأسباب العمران وتخطيط المدن وشق القنوات وإنماء الزراعة مهما قيل ومهما تصور من أسباب التمكين التي تليق برجل رباني قد مكن له في هذه الأرض (?) يمكن أن يدخل تحت قوله تعالى: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف:84] , لقد كانت رعاية الله تعالى لذي القرنين عظيمة بسبب إيمانه بالله تعالى, واستعداده لليوم الآخر, ولذلك فتح له باب التوفيق وفق ما سعى إليه من أهداف وغاية سامية.
لقد بذل ذو القرنين ما في وسعه من أجل دعوة الناس إلى عبادة الله, فقد جمع بين الفتوحات العظيمة بحد السيف, وفتوحات القلوب بالإيمان والإحسان, فكان إذا ظفر بأمة أو شعب دعاهم إلى الحق والإيمان بالله تعالى قبل العقاب أو الثواب, وكان حريصًا على الأعمال الإصلاحية في كل الأقاليم والبلدان التي فتحها, فسعى في بسط سلطان الحق, والعدالة في الأرض شرقًا وغربًا, وكان صاحب ولاء ومحبة لأهل الإيمان, مثلما كان معاديًا لأهل الكفران (?).