إن مفتاح شخصية ذي القرنين تتمثل في إيمانه بالله تعالى والاستعداد لليوم الآخر, وحبه لأهل الإيمان وبغضه لأهل الكفر والعصيان, وحبه العميق للدعوة إلى الله, فالإيمان بالله واليوم الآخر يظهر ذلك جليًا في شخصية ذي القرنين عند قوله تعالى: {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} [الكهف:95] , وقوله: {أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا} [الكهف:87] , وقوله: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف:98]. وهذه المواضع التي صرح بأنه كان مؤمنًا بالله واليوم الآخر يستفاد منها أمور:
- إن الثناء على الحاكم لا يكون بمجرد شجاعة أو فتوح أو عمارة, ما لم ينضم إليها الإيمان بالله واليوم الآخر, لأن هناك حكامًا كثيرين كانت لهم من الإصلاحات الدنيوية المجردة ما يعتبرهم الناس من أجله عظماء, ومع ذلك لم يورد القرآن لهم ذكرًا حسنًا, بل جاء في القرآن ذم حكام عمروا في الدنيا كثيرًا ولكنهم خربوا أديان الناس وأفسدوا عليهم آخرتهم مثل فرعون وهامان والنمرود ونحوهم.
- إن التوازن المدهش والخلاب في شخصية ذي القرنين؛ سببه إيمانه بالله تعالى واليوم الآخر, ولذلك لم تطغ قوته على عدالته, ولا سلطانه على رحمته, ولا غناه على تواضعه, وأصبح مستحقًا لتأييد الله وعونه؛ ولذلك أكرمه الله تعالى بالأخذ بأسباب التمكين والغلبة وهو تفضل من الله تعالى على عبده الصالح, فجعل له مكنة وقدرة على التصرف في الأرض من حيث التدبير والرأي وكثرة الجنود والهيبة والوقار (?).
وكذلك أكرمه بكثرة الأعوان والجنود وقذف الرعب في قلوب الأعداء وتسهيل السير عليه, وتعريفه فجاج الأرض واستيلائه على برها وبحرها (?) , وتمكنه بذلك من تملك المشارق والمغارب من الأرض, فكل هذه الأمور لا تعطى