مَسْأَلَةٌ: وَالْكُوَى كَعُقَدِ الْبِنَاءِ يُوجِبُ الْمِلْكَ، وَكُوَى الضَّوْءِ الْمَنْفُوذَةِ لَا دَلِيلَ فِيهَا.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا عُقَدٌ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ خَشَبٌ وَلَوْ وَاحِدَةً فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا كُوًى مَنْفُوذَةٌ أَوْجَبَتْ الْمِلْكَ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْقَرَافِيُّ: الْمُدْرَكُ فِي هَذِهِ الْفَتَاوَى كُلِّهَا شَوَاهِدُ الْعَادَاتِ، فَمَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ عَادَةٌ قَضَى بِهَا، وَإِذَا اخْتَلَفَ الْعَوَائِدُ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ وَجَبَ اخْتِلَافُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ مَبْنِيٌّ عَلَى عَادَةٍ، إذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ قَالَ: وَفِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ فِيمَنْ أَوْدَعَ رَجُلًا دَنَانِيرَ، وَعَهِدَ إلَيْهِ فِيهَا أَنْ لَا يَدْفَعَهَا إلَّا إلَى مَنْ أَتَى بِأَمَارَةٍ أَعْلَمَهُ بِهَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا غَيْرُهُ، فَأَتَى رَجُلٌ بِتِلْكَ الْأَمَارَةِ فَدَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ وَمَاتَ الْمُودِعِ رَبُّ الْمَالِ، فَقَالَ وَرَثَتُهُ لِلْمُودَعِ: مَا صَنَعْت بِمَالِنَا؟ فَقَالَ: صَنَعْت بِهِ الَّذِي أَمَرَنِي أَبُوكُمْ، وَلَيْسَ عَلَيَّ أَنْ أُخْبِرَكُمْ بِمَا أَمَرَنِي بِهِ أَنَّهُ يَحْلِفُ، لَقَدْ فَعَلَ بِهِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ فِي الْمَالِ لَمْ يَتَعَدَّهُ إلَى غَيْرِهِ وَيَبْرَأُ، قَالَ يَحْيَى: وَسَأَلْت عَنْهُ ابْنَ الْقَاسِمِ فَقَالَ مِثْلَهُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ صَدَّقُوهُ فِي الْأَمَارَةِ وَأَنَّ أَبَاهُمْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، فَلِذَلِكَ حَلَفَ أَنَّهُ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَبَرِيءَ وَأَمَّا لَوْ كَذَّبُوهُ فِي دَعْوَاهُ كُلِّهَا وَطَلَبُوا مَالَهُمْ لَكَانَ ذَلِكَ لَهُمْ.
مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ بِكِتَابِ الْمُودِعِ رَبِّ الْمَالِ إلَى الْمُودِعِ بِأَمَارَةٍ لِيَدْفَعَ إلَيْهِ الْوَدِيعَةَ، وَهُوَ يَعْرِفُ خَطَّهُ وَأَمَارَتَهُ فَصَدَّقَ كِتَابَهُ وَدَفَعَهَا إلَى الرَّسُولِ، ثُمَّ أَنْكَرَ رَبُّهَا حَلَفَ أَنَّهُ مَا أَمَرَهُ وَلَا كَتَبَ بِذَلِكَ إلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَغْرَمُ الْمُودَعُ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُودَعُ إلَى الْقَابِضِ مِنْهُ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ تَصْدِيقُهُ فِيمَا أَتَى بِهِ، وَلَا مَعْرِفَتُهُ بِصِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ، وَشَهَادَتُهُ بِصِدْقِهِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ: وَاَلَّذِي جَاءَهُ الْكِتَابُ وَإِنْ عَرَفَ خَطَّهُ وَأَمَارَتَهُ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ وَدِيعَةَ الْغَائِبِ وَلَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: إنْ دَفَعَهَا إلَى الرَّسُولِ ثُمَّ اجْتَمَعَ مَعَ رَبِّهَا فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ فَسَكَتَ ثُمَّ طَالَبَهُ بَعْدُ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَا أَمَرَهُ فُلَانٌ بِقَبْضِهِ، وَمَا كَانَ سُكُوتُهُ رِضًا بِقَبْضِهِ ثُمَّ يُغَرِّمُهُ، وَلَوْ عَلِمَ بِقَبْضِهِ فَجَاءَ إلَى الدَّافِعِ وَقَالَ لَهُ: كَلِّمْ فُلَانًا الْقَابِضَ يَحْتَالُ لِي فِي الْمَالِ كَانَ رِضًا بِقَبْضِهِ بِهِ، وَالدَّافِعُ بَرِيءٌ مِنْ ابْنِ سَهْلٍ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ.