وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فَمَوَاضِعُ: فَمِنْهَا: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمُ اللَّوْثِ فِي الْقَسَامَةِ، وَجَوَّزَ لِلْمُدَّعِينَ أَنْ يَحْلِفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَسْتَحِقُّوا دَمَ الْقَتِيلِ فِي حَدِيثِ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ» ، وَاللَّوْثُ دَلِيلٌ عَلَى الْقَتْلِ، فَإِنْ قُلْت: فَإِذَا كَانَتْ الْقَسَامَةُ لَا تَجِبُ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا مَعَ اللَّوْثِ، فَأَيْنَ اللَّوْثُ فِي حَدِيثِ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ؟ قُلْت: قَدْ أَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ ذِكْرُ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ، وَأَنَّهُ قُتِلَ فِي بَلَدِهِمْ وَلَيْسَ فِيهَا غَيْرُ الْيَهُودِ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدِي أَنَّ الْأَظْهَرَ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْقَرَائِنَ تَقُومُ مَقَامَ الشَّاهِدِ، فَقَدْ يَكُونُ قَدْ قَامَ مِنْ الْقَرَائِنِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْيَهُودَ قَتَلُوهُ وَلَكِنْ جَهِلُوا عَيْنَ الْقَاتِلِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَبْعُدُ إثْبَاتُهُ لَوْثًا، فَلِذَلِكَ جَرَى حُكْمُ الْقَسَامَةِ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْهَا، مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي قَضِيَّةِ «الْأَسْرَى مِنْ قُرَيْظَةَ لَمَّا حَكَمَ فِيهِ سَعْدٌ: أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَتُسْبَى الذُّرِّيَّةُ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَدَّعِي عَدَمَ الْبُلُوغِ، فَكَانَ الصَّحَابَةُ يَكْشِفُونَ عَنْ مُؤْتَزِرِهِمْ فَيَعْلَمُونَ بِذَلِكَ الْبَالِغَ مِنْ غَيْرِهِ» ، وَهَذَا مِنْ الْحُكْمِ بِالْأَمَارَاتِ.
وَمِنْهَا: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْمُلْتَقِطَ أَنْ يَدْفَعَ اللُّقَطَةَ إلَى وَاصِفِهَا، وَجَعَلَ وَصْفَهُ لِعِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا قَائِمًا مَقَامَ الْبَيِّنَةِ» .
وَمِنْهَا: حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ بِالْقَافَةِ وَجَعْلُهَا دَلِيلًا عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدُ الْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ.
وَمِنْهَا: «ابْنَا عَفْرَاءَ تَدَاعَيَا قَتْلَ أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ قَالَا: لَا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: