أُحْلِفَ كَمَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ، قَالَ وَيَتَحَصَّلُ فِيهَا سِتَّةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ حُكْمًا وَهِيَ بَاطِلَةٌ.
الثَّانِي: أَنَّهَا تُوجِبُ التَّشْدِيدَ كَمَا تَقَدَّمَ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُسْتَنْزَلُ إلَّا مَا لَا يُشَكُّ فِيهِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ.
الْخَامِسُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْغَاصِبِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَا لَا يُشْبِهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَهُوَ السَّادِسُ، وَلَكِنَّهُ يُعْرَفُ بِأَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى الْأَرْضِ بِعَيْنِهَا وَلَا يَعْرِفُوا حُدُودَهَا، وَبَيْنَ أَنْ لَا يُعَيِّنُوا الْأَرْضَ وَإِنَّمَا يَشْهَدُونَ أَنَّهُ غَصَبَهُ فِي الْقَرْيَةِ أَرْضًا لَا يَعْرِفُونَهَا.
فَرْعٌ: قَالَ مُطَرِّفٌ وَمِثْلُهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: فِي الرَّجُلِ يَدَّعِي قِبَلَ الرَّجُلِ حَقًّا مِنْ مُحَاسَبَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا وَيُنْكِرُ ذَلِكَ، فَيَأْتِي بِبَيِّنَةٍ فَتَشْهَدُ أَنَّهُمَا تَحَاسَبَا فَبَقِيَ لِهَذَا عَلَى هَذَا حَقٌّ لَا نَعْرِفُ عَدَدَهُ، قِيلَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَقِرَّ لَهُ بِحَقِّهِ، فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَشْهُودِ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ جَحَدَ قِيلَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَتَعْرِفُ كَمْ هَذَا؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ هُوَ كَذَا وَكَذَا حَلَفَ وَأَخَذَهُ، وَإِنْ قَالَ لَا أَعْرِفُهُ كَانَتْ بَيْنَنَا مُحَاسَبَةٌ وَمُكَاتَبَةٌ، فَضَاعَتْ مِنِّي وَسَقَطَتْ فَلَا أَحْفَظُ، أَوْ قَالَ هِيَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنِّي لَا أُرِيدُ أَنْ أَحْلِفَ عَلَيْهَا وَإِنْ كُنْت صَادِقًا؛ لِأَنَّ بَيِّنَتِي قَدْ أَحَقَّتْ لِي حَقًّا وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى، فَإِنْ شَاءَ فَلْيُقِرَّ بِمَا شَاءَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَيَحْلِفْ عَلَيْهِ وَيَبْرَأْ فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، يُقَالُ ذَلِكَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ أُخِذَ مِنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَيُدْفَعُ إلَى الْمَشْهُودِ لَهُ، ثُمَّ حُبِسَ لِلْيَمِينِ فِيمَا بَقِيَ كَمَا وَصَفْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.
فَرْعٌ: قَالَ لِي مُطَرِّفٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَقَرَّ فِي وَصِيَّتِهِ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ حَقًّا ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُسَمِّ ذَلِكَ الْحَقَّ كَمْ هُوَ؟ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْوَرَثَةِ كَمْ هُوَ حَقُّ هَذَا؟ فَإِنْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا بِهِ، قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ كَمْ حَقُّك؟ فَإِنْ سَمَّاهُ أَحَلَفَ عَلَيْهِ وَأُعْطِيهِ، وَإِنْ قَالَ لَا أَعْرِفُهُ وَهُوَ كَانَ أَحْفَظُ مِنِّي، قِيلَ لِلْوَرَثَةِ لَا تَصِلُوا إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْمِيرَاثِ حَتَّى تَدْفَعُوا إلَى هَذَا حَقَّهُ مِنْهُ، أَوْ تُقِرُّوا لَهُ بِمَا شِئْتُمْ وَتَحْلِفُونَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا قَدْ ثَبَتَ لَهُ أَنَّ لَهُ فِيهَا حَقًّا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَصِلَ إلَى حَقِّهِ.