لَمْ تُعَيِّنْ الْبَيِّنَةُ شَيْئًا، بَعْدَ أَنْ يُسْتَبْرَأَ أَمْرُهُ بِالسَّجْنِ وَالتَّضْيِيقِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَيْهِ إذَا تَمَادَى عَلَى إنْكَارِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَبِالْأَوَّلِ الْقَضَاءُ، نَقَلَهُ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: قَالَ مُطَرِّفٌ سَمِعْنَا مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَشْهَدُ لَهُ الشُّهُودُ: إنَّ لَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ حَقًّا، وَلَا يَعْرِفُ كَمْ هُوَ؟ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مِيرَاثٍ قَدْ تَقَدَّمَ وَتَنَاسَخَ أَهْلُهُ، وَيُنْكِرُ ذَلِكَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ ثَبَتَ لِهَذَا فِي دَارِك حَقٌّ فَأَقِرَّ لَهُ بِحَقِّهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَشْهُودِ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ وَادَّعَى أَنَّ الَّذِي شَهِدَ عَلَيْهِ بِهِ بَاطِلٌ، قِيلَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ: أَتَعْرِفُ حَقَّك الَّذِي شَهِدَ لَك بِهِ؟ فَإِنْ سَمَّاهُ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَأَخَذَهُ، وَإِنْ قَالَ لَا أَعْرِفُهُ إنَّمَا كُنْت أَسْمَعُ أَبِي يَقُولُ: إنَّ لَهُ فِيهَا حَقًّا وَلَمْ يَكُنْ يُسَمِّيهِ فَجِئْت أَطْلُبُهُ، أَوْ قَالَ لَا أَعْرِفُ وَلَا أُرِيدُ أَنْ أَحْلِفَ عَلَيْهِ صَادِقًا أَوْ كَاذِبًا، فَأَقِرَّ أَيُّهَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّي بِمَا شِئْت وَاحْلِفْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُحَالُ بَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَبَيْنَ الدَّارِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا بَلَغَ هَذَا الْحَقُّ مِنْهَا، لَعَلَّهُ يَأْتِي عَلَى أَكْثَرِهَا أَوْ عَلَى جَمِيعِهَا إلَّا جُزْءًا مِنْهَا فَيُوقَفُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ ثَبَتَ فِيهَا، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُهُ فَيُنْكِرُهُ، كَيْمَا يُعْمِيهِ وَيُبْطِلُهُ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَلَا يَصِلُ إلَى الدَّارِ أَبَدًا حَتَّى يُقِرَّ مِنْهَا بِحَقِّ هَذَا، أَوْ يُسَمِّيَ مِنْ ذَلِكَ مَا سَمَّى وَيَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَيَأْخُذَ بَقِيَّةَ الدَّارِ، قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ قَالَ حَقُّهُ مِنْهَا الرُّبْعُ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْهُ الرُّبْعُ، فَأَسْلَمَ إلَى الْمَشْهُودِ لَهُ وَحُكِمَ لَهُ بِهِ بِإِقْرَارِهِ، ثُمَّ كَانَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ مَوْقُوفًا حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ يُقِرَّ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ كَانَ الْأَمْرُ فِيهِ كَمَا وَصَفْنَا هَكَذَا أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا غَيْرَ مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ مِنْهَا وَسَمَّاهُ.
وَقَالَ لِي مُطَرِّفٌ: وَقَدْ كُنَّا نَقُولُ نَحْنُ وَغَيْرُنَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ الشُّهُودُ الْحَقَّ الَّذِي شَهِدُوا بِهِ وَنَسُوهُ، فَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ وَلَا حَقَّ لِهَذَا حَتَّى سَأَلْنَا مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْهَا، وَتَكَلَّمَ فِيهَا فَأَخَذْنَا بِقَوْلِهِ وَحُكِمَ بِهِ عِنْدَنَا غَيْرُ مَرَّةٍ، وَصَارَ مِنْهَاجًا لِلْحُكَّامِ وَدَلِيلًا عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ فِيهَا.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يُسْجَنُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَيُضَيَّقُ حَتَّى يُبَيَّنَ لَهُ حَقُّهُ وَيَحْلِفَ عَلَيْهِ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ أَصْبَغُ فَإِنْ أَنْكَرَ الْجَمِيعُ بَعْدَ الْحَبْسِ