فَرْعٌ: وَفِي تَعْلِيقِهِ الْخِلَافَ لِلشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ، وَشَهِدَ عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا. قَالَ أُسْتَاذُنَا الْقَاضِي يَعْنِي أَبَا الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ بَيْنَ شَهَادَتِهِمَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الثَّانِي لَا تُصَحِّحُ شَهَادَةَ الْأَوَّلِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَوَّلُ رَأَى شَيْئًا، وَرَأَى الثَّانِي هِلَالَ شَوَّالٍ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَيَجِبُ الْفِطْرُ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الثَّانِي تُصَحِّحُ شَهَادَةَ الْأَوَّلِ، وَاعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِمَسْأَلَةِ مَذْهَبِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى هِلَالٍ فَانْقَضَتْ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَالسَّمَاءُ صَاحِيَةٌ، فَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ، فَقَالَ هُمَا شَاهِدَا سُوءٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ، وَلَوْ كَانَا حُكْمَيْنِ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ كَذِبٌ لِلشَّاهِدَيْنِ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا نُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ إكْمَالَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَاجِبٌ عَلَيْنَا بِيَقِينٍ، فَلَا نَنْتَقِلُ عَنْهُ بِالشَّكِّ، وَشَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قَطْعًا.

وَقَوْلُهُ: إنَّ الثَّانِيَةَ تُصَحِّحُ الْأُولَى وَإِنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الثَّانِيَةَ ثَابِتَةٌ، وَأَمَّا إذَا أَبْطَلْنَاهَا بِالْوَجْهِ الَّذِي أَبْطَلْنَا بِهِ الْأُولَى، وَهُوَ أَنَّهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى هِلَالٍ، فَكَيْفَ نُصَحِّحُ غَيْرَهَا وَهِيَ لَمْ تَصِحَّ فِي نَفْسِهَا؟

فَرْعٌ: وَالشَّهَادَةُ فِي الزِّنَا لَا تَنْفُذُ إلَّا إذَا جَاءَتْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَا تُلَفَّقُ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فِي الطَّلَاقِ فَإِنَّهَا تُلَفَّقُ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ: وَمَذْهَبُهُ يَعْنِي مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ لَا تُلَفَّقَ الشَّهَادَاتُ بِالطَّلَاقِ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُخْتَلِفَةِ، كَشَاهِدٍ عَلَى الْحَلِفِ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ، وَآخَرَ عَلَى الْحَلِفِ عَلَى كَلَامِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى مُتَعَلِّقٍ وَاحِدٍ.

فَرْعٌ: وَكَذَلِكَ لَا تُلَفَّقُ الْأَفْعَالُ مَعَ الْأَقْوَالِ، كَشَاهِدٍ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَآخَرَ عَلَى حِنْثٍ فِي فِعْلٍ.

فَرْعٌ: وَيُلَفَّقُ عِنْدَهُ الْأَقْوَالُ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهَا وَأَوْقَاتُهَا، كَالشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِهِ: أَنْتِ حَرَامٌ، وَآخَرَ عَلَى الْبَتَّةِ، وَشَاهِدٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015