فَرْعٌ: وَفِي التَّقْرِيبِ عَلَى التَّهْذِيبِ لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ أَنَّ زَيْدًا بَاعَ مِنْ عَمْرٍو سِلْعَةً، وَشَهِدَ آخَرُ بِإِقْرَارِهِمَا بِالْبَيْعِ، كَمُلَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْمَعْنَى قَدْ اجْتَمَعَا عَلَى نَقْلِ الْمِلْكِ.
فَرْعٌ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: لَوْ جَرَحَ شَاهِدٌ شَاهِدًا بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْجُرْحَةِ وَجَرَحَ آخَرُ بِغَيْرِهِ، فَقَالَ سَحْنُونٌ: هِيَ جُرْحَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا عَلَى أَنَّهُ رَجُلُ سُوءٍ.
وَقَالَ أَيْضًا لَيْسَ بِتَجْرِيحٍ حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَبِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ
فَرْعٌ: وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ: سُئِلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ شَاهِدَيْنِ، شَهِدَ أَحَدُهُمَا فِي مَنْزِلٍ أَنَّهُ مَسْكَنُ هَذَا، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ حَيِّزُهُ، فَقَالَ خَصْمُهُ: قَدْ اخْتَلَفَتْ شَهَادَتُهُمَا، فَقَالَ مَالِكٌ: مَسْكَنُهُ وَحَيِّزُهُ شَهَادَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَفْتَرِقُ، وَقَدْ يَكُونُ الْكَلَامُ فِي الشَّهَادَةِ مُخْتَلِفًا وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا فِي شَهَادَتِهِ فِي أَرْضٍ هِيَ لِهَذَا، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهَا حَيِّزُهُ، قَالَ مَالِكٌ هِيَ لَهُ؛ لِأَنَّ حَيِّزَهُ أَرْضُهُ فَأَرَاهُمَا قَدْ اجْتَمَعَا عَلَى الشَّهَادَةِ، قَالَ سَحْنُونٌ: مَعْنَى حَيِّزُهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَحَقُّهُ، انْتَهَى. وَانْظُرْ هَلْ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْهِنْدِيِّ أَمْ لَا؟ فِي قَوْلِهِ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ شَاهِدَيْنِ، عَلَى نَصٍّ وَاحِدٍ، وَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ فَلَا يُفِيدُ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: قَالَ لِي أَبُو مَرْوَانَ بْنِ مَالِكٍ: إنْ شَهِدُوا فِي دَارٍ أَنَّهَا فِي مِلْكِ فُلَانٍ لَمْ تَكُنْ شَهَادَةً، فَقَالَ: قَدْ شَاهَدْتُ الْحُكْمَ بِإِسْقَاطِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَلِهَذَا يُقَالُ فِي الْعُقُودِ إنَّهُمْ يُعَرِّفُونَهَا لَهُ، وَفِي مِلْكِهِ مَالًا مِنْ أَمْوَالِهِ وَنَحْوِهِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَفْظٌ مُجْمَلٌ غَيْرُ مُبَيَّنٍ وَأَنْشَدَ:
أَصْبَحْتُ لَا أَحْمِلُ السِّلَاحَ وَلَا أَمْلِكُ رَأْسَ الْبَعِيرِ إنْ نَفَرَا
فَالْمِلْكُ فِي هَذَا بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ، وَالِاسْتِطَاعَةُ: بِمَعْنَى الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ الْكَسْبُ وَالْقِنْيَةُ، وَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتَّابٍ إنْ كَانَ الشُّهُودُ لَهُمْ نَبَاهَةٌ وَفَطِنَةٌ وَمَعْرِفَةٌ بِالشَّهَادَةِ فَهِيَ شَهَادَةٌ عَامِلَةٌ، قَالَ لِي أَبُو الْمُطَرِّفِ: هِيَ شَهَادَةٌ تَامَّةٌ وَلَا خِلَافَ فِيهَا، وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَفْرِيعٌ وَنَظَرٌ يَطُولُ ذِكْرُهُ.