قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَذَلِكَ صَحِيحٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ، لَمَّا قَدْ تَسَاهَلَ النَّاسُ فِي وَضْعِ شَهَادَاتِهِمْ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُونَ.
قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَهَذَا فِيهِ تَضْيِيقٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ، وَيَحْمِلُ الْعَدْلَ أَنَّهُ لَا يَضَعُ شَهَادَتَهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى خَطِّهِ وَأَنَّهُ لَا يَضَعُهَا إلَّا عَنْ مَعْرِفَةٍ، وَإِلَّا كَانَ شَاهِدًا بِزُورٍ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَدْلٌ، وَبِهَذَا جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا بِنَقْضِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَفِي الطُّرَرِ: وَإِنَّمَا أَرَادَ ابْنُ زَرْبٍ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَثِيقَةِ الَّتِي فِيهَا شَهَادَةُ الْمَشْهُودِ عَلَى خَطِّهِ، أَنَّهُ يَعْرِفُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ مَعْرِفَةَ الْعَيْنِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا وَيَعْرِفُهُمَا بِأَعْيَانِهِمَا فَهِيَ شَهَادَةٌ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ كَتَبَ شَهَادَتَهُ وَنَسَبَهُ إلَى مُخْتَصَرِ الثَّمَانِيَةِ.
وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ خُطُوطِ الشُّهُودِ فِي وَثِيقَةٍ قَدْ سَقَطَ مِنْ عَقْدِهَا مَعْرِفَةُ عَيْنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَكَانَ الْأَمْرُ مُشْكِلًا لَا يُدْرَى إنْ كَانَ الشُّهُودُ الْمَشْهُودُ عَلَى خُطُوطِهِمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ أَمْ لَا، فَمَنْ أَجَازَ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ قَالَ لَا يَحْتَاجُ الشُّهُودُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى مَعْرِفَةِ خُطُوطِ الشُّهُودِ أَنْ يَكْتُبُوا شَهَادَتَهُمْ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَى خُطُوطِهِمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ الْمُشْهِدَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْعَقْدِ، وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ غَيْرُ مَنْ يَشْهَدُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْخَطِّ، وَإِلَّا فَالشَّهَادَةُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْخَطِّ نَاقِصَةٌ.
فَرْعٌ: وَفِي الطُّرَرِ: وَإِذَا كَتَبَ الرَّجُلُ ذِكْرَ حَقٍّ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُ الشُّهُودُ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكْتُبَ نَعْتَهُ وَصِفَتَهُ، وَيَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى الصِّفَةِ حَيًّا أَوْ مَاتَ أَوْ غَابَ، وَقَدْ قَالَ: بَعْضُهُمْ يَكْتُبُ اسْمَهُ وَقَرْيَتَهُ وَمَسْكَنَهُ، وَيُجْتَزَى بِذَلِكَ، قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَسَمَّى الرَّجُلُ بِغَيْرِ اسْمِهِ وَغَيْرِ مَسْكَنِهِ وَغَيْرِ مَوْضِعِهِ، فَإِذَا لَمْ يُعَرِّفْهُ الشُّهُودُ بِعَيْنِهِ وَلَا وَصَفُوهُ بِصِفَتِهِ دَخَلَهُ مَا ذَكَرْنَا.
فَرْعٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَالَ لِي مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ فِي إيقَاعِ الشَّهَادَةِ فِي الصَّحِيفَةِ بِأَمْرِ الَّذِي كُتِبَتْ عَلَيْهِ، وَهُمْ لَمْ يَقْرَءُوهَا وَلَمْ تُقْرَأْ عَلَيْهِ، إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِمَّنْ لَا يَشُكُّ الشَّاهِدُ أَنَّهُ قَدْ أَحَاطَ بِمَا فِيهَا عِلْمًا، فَأَوْقِعْ شَهَادَتَك إذَا قَالَ لَك مَا فِيهَا حَقٌّ، وَإِنْ كَانَ أُمِّيًّا وَإِنْ لَمْ تَقْرَأْ عَلَيْهِ، إنْ كَانَ مِمَّنْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمًا، وَمِمَّنْ يُخْشَى أَنْ يَكُونَ مَخْدُوعًا فَلَا تُوقِعْ شَهَادَتَكَ فِيهَا حَتَّى تَقْرَأَهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ لَك مَا فِيهَا حَقٌّ أُمِّيًّا كَانَ أَوْ قَارِئًا.