وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: فِي مَعْرِفَةِ الْخَطِّ، أَنَّهَا كَمَعْرِفَةِ الشُّهُودِ الثِّيَابَ وَالدَّوَابَّ وَسَائِرَ الْأَشْيَاءِ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ.
قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْقَطْعِ، وَفِي كِتَابِ الْقَرَوِيِّ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْعِلْمِ.
فَصْلٌ: وَالْخُطُوطُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: خَطُّ الشَّاهِدِ الَّذِي يَتَعَذَّرُ حُضُورُهُ عِنْدَ الْقَاضِي لِمَوْتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَمُطَرِّفُ عَنْ مَالِكٍ، وَهَذَا مَا لَمْ يَسْتَنْكِرْ الشَّاهِدُ شَيْئًا، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا: أَنَّهَا لَا تَجُوزُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَالَ الْبَاجِيُّ مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ لَا تَجُوزُ، وَبِالْجَوَازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَسَحْنُونٌ.
وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ: لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْأُمَّهَاتِ الْمَشْهُورَةِ فِي إجَازَتِهَا وَإِعْمَالِهَا، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُحَمَّدٌ وَجَعَلَ عِلَّةَ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّهِ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَتِهِ إذَا سَمِعَهَا مِنْهُ وَلَمْ يُشْهِدْهُ عَلَيْهَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَحَمَّلَهَا عَنْهُ، قَالَ وَقَدْ يَكْتُبُ بِخَطِّهِ فِيمَا يَسْتَرِيبُ فِيهِ وَقْتَ الْأَدَاءِ، وَقَدْ يَكْتُبُ عَلَى مَنْ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَلَا بِاسْمِهِ انْتَهَى.
وَقَدْ يَكْتُبُ شَهَادَتَهُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْإِكْرَاهِ، وَشَاهَدْت هَذَا فِي حُكُومَةٍ رُفِعَتْ إلَى حَاكِمٍ تَتَضَمَّنُ هِبَةً لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ وَهَبَ ذَلِكَ فِي حَالِ صِحَّته وَجَوَازِ تَصَرُّفِهِ طَائِعًا مُخْتَارًا وَأَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ، وَفِي الْهِبَةِ خَطُّ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُدُولِ، وَكَانَتْ الْهِبَةُ عَلَى سَبِيلِ الْإِكْرَاهِ، وَكِتَابَةُ الشُّهُودِ عَلَى نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ الْحَاكِمُ يَعْرِفُ بَاطِنَ الْقَضِيَّةِ فَصَرَفَهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَذَهَبَ ابْنُ لُبَابَةَ إلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ، مِنْ مَنْعِ الْعَمَلِ بِهَا فِي الْأَحْبَاسِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ لِمَا كَثُرَ مِنْ الْفَسَادِ وَالتَّلْبِيسِ، وَرُبَّمَا كَانَ أَصْلُ الْمَكْتُوبِ عَلَى وَجْهِ التَّقِيَّةِ، وَشُهُودُهُ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً أَخْبَرُوا بِذَلِكَ، فَيُعْمَلُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى خُطُوطِهِمْ فِيمَا لَا يَشْهَدُونَ بِهِ لَوْ حَضَرُوا.
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَا عَلِمْت مَنْ حُكْمٍ بِهَا.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ زَرْبٍ: لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ، حَتَّى يَشْهَدَ هَذَا الشَّاهِدُ أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْخَطِّ كَانَ يَعْرِفُ مَنْ أَشْهَدَهُ مَعْرِفَةَ عَيْنٍ،