خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَفْسِرَهُمْ الْحَاكِمُ اسْتِفْسَارًا يَتَخَيَّرُونَ فِي الْجَوَابِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُتَّقَى، وَأَيْضًا فَإِنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ لِلْقَاضِي مِنْ سَمَاعِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ، أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْحَاصِلِ لَهُ مِنْ شَهَادَةِ الْفَرْعِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْأَضْعَفِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْأَقْوَى.
تَنْبِيهٌ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَصُورَةُ نَقْلِ الشَّهَادَةِ عَنْ الْمَرِيضِ، أَنْ يَكْتُبَ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ وَفُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ، أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَهُمَا لِمَرَضِهِ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ أَنَّ شَهَادَتَهُ الْوَاقِعَةَ فِي هَذَا الْكِتَابِ حَقٌّ حَسَبَ وُقُوعِهَا فِيهِ، قَالَ وَمَا يَكْتُبُ النَّاسُ الْيَوْمَ وَسُؤَالُهُمَا نَقْلَهَا عَنْهُ جَهْلٌ لَا يَجِبُ عَمَلُهُ.
فَرْعٌ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا يُنْقَلُ فِي الْحُدُودِ إلَّا فِي غَيْبَةٍ بَعِيدَةٍ، فَأَمَّا الْيَوْمَانِ وَالثَّلَاثَةِ فَلَا قَالَ ابْنُ عَبْدُ السَّلَامِ: يَعْنِي إذَا غَابَ عَنْ مَوْضِعِهِ هَذَا الْقَدْرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعُودُ عَنْ قُرْبٍ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: فَأَمَّا مَنْ كَانَ مَوْضِعُهُ عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، فَلَا يُشَخِّصُ وَيَجُوزُ نَقْلُهَا عَنْهُ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ يُقْصَرُ فِي مِثْلِهَا الصَّلَاةُ أَوْ السِّتِّينَ مِيلًا، كَتَبَ الْقَاضِي إلَى رَجُلٍ تَشْهَدُ عِنْدَهُ الْبَيِّنَةُ، وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ حَدٍّ وَلَا غَيْرِهِ.
فَرْعٌ أَمَّا الْمَرْأَةُ، فَإِنَّهُ يُنْقَلُ عَنْهَا مَعَ حُضُورِهَا فِي الْبَلَدِ لِمَا يَنَالُهَا مِنْ الْكَشْفِ وَالْمَشَقَّةِ، قَالَ مُطَرِّفٌ: لَمْ أَرَ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةً قَطُّ أَدَّتْ وَلَكِنْ يُحْمَلُ عَنْهَا وَهُوَ صَوَابٌ، وَأَبَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَشْهَبُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ، وَلَمْ يَرَيَا لِلنِّسَاءِ مَدْخَلًا فِي النَّقْلِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى شَهَادَةٍ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ غَيْرُ الْمَالِ، وَاسْتَحْسَنَهُ سَحْنُونٌ.
فَرْعٌ فَلَوْ تَغَيَّرَتْ حَالُ شَاهِدِ الْأَصْلِ بَعْدَ الْإِذْنِ، مِثْل أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ فِسْقٌ أَوْ تَحْدُثَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَدَاوَةٌ امْتَنَعَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِيَّةِ مُقَدِّمَتِهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَوْ تَغَيَّرَتْ حَالُ الْأَصْلِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْعَدَالَةِ، فَهَلْ لِلشَّاهِدِ الْفَرْعِ أَنْ يَنْقُلَ عَنْهُ الْآنَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَدِّدَ لَهُ شَاهِدُ الْأَصْلِ الْإِذْنَ فِي الشَّهَادَةِ وَالنَّقْلِ عَنْهُ؟ قَالَ الْمَازِرِيُّ: فِي ذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَوْ خَارِجَ الْمَذْهَبِ.