وَذَلِكَ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ كَالْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ وَالْحَيْضِ، وَالْحَمْلِ وَالسَّقْطِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَالرَّضَاعِ، وَإِرْخَاءِ السُّتُورِ وَعُيُوبِ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ وَفِي كُلِّ مَا تَحْتَ ثِيَابِهِنَّ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ مِمَّا لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ وَلَا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهَا، أُقِيمَ فِيهَا النِّسَاءُ مَقَامَ الرِّجَالِ لِلضَّرُورَةِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي التَّنْبِيهِ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ وَالشَّهَادَةُ فِي الْوَلَدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: عَلَى نَفْسِ الْوِلَادَةِ، وَعَلَى الِاسْتِهْلَالِ، وَعَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ فَأَمَّا شَهَادَتُهُنَّ عَلَى الْوِلَادَةِ فَجَائِزَةٌ مَعَ حُضُورِ الْوَلَدِ يَشْهَدَانِ أَنَّ هَذِهِ وَلَدَتْهُ فَيُحْكَمُ بِذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ مَوْجُودًا، فَأَجَازَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَجُوزُ لَهُنَّ الشَّهَادَةُ فِيهِ، وَمَنَعَهُ سَحْنُونٌ؛ لِأَنَّ جَوَازَ شَهَادَتِهِنَّ لِلضَّرُورَةِ، وَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْوِلَادَةِ. وَأَمَّا وُجُودُ الْمَوْلُودِ فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِنَّ فَلَمْ يُقْبَلْ فِي ذَلِكَ، وَفَرَّقَ اللَّخْمِيُّ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُنَّ بِقُرْبِ الْوِلَادَةِ فَلَا تَجُوزُ إذَا عَدِمَ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إظْهَارِهِ حِينَئِذٍ، وَلَوْ كَانَ مَقْبُورًا، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بَعْدَ طُولِ الْأَمَدِ، وَقَدْ اُحْتِيجَ إلَى إقَامَتِهَا الْآنَ؛ لِأَجْلِ قُدُومِ مَنْ أَنْكَرَ الْوِلَادَةَ، أَوْ جُحُودِ شَهَادَتِهِنَّ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ، فَشَهَادَتُهُنَّ حِينَئِذٍ جَائِزَةٌ لِلضَّرُورَةِ.
فَرْعٌ: وَلَوْ وَلَدَتْهُ ثُمَّ مَاتَتْ هِيَ وَالْوَلَدُ، فَشَهِدَتْ امْرَأَتَانِ أَنَّ الْأُمَّ مَاتَتْ قَبْلَهُ، فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ الْأَبَ يَحْلِفُ أَوْ وَرَثَتُهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَسْتَحِقُّونَ مَا يَرِثُ عَنْ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ. وَأُمًّا شَهَادَتُهُنَّ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ فَجَائِزَةٌ أَيْضًا، إذَا كَانَ الْبَدَنُ مَوْجُودًا كَمَا تَقَدَّمَ، إلَّا أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَسْتَهِلُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ. وَاخْتُلِفَ فِي شَهَادَتِهِنَّ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ مَعَ غَيْبَةِ الْجَسَدِ، فَأَجَازَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهَا سَحْنُونٌ كَمَا تَقَدَّمَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الِاتِّفَاقُ مِنْ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْوِلَادَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي الِاسْتِهْلَالِ فَشَهَادَتُهُنَّ أَيْضًا جَائِزَةٌ، وَإِنْ عُدِمَ الْبَدَنُ؛ لِأَنَّ اتِّفَاقَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى وُجُودِهِ مُغْنٍ عَنْ حُضُورِهِ.