فَرْعٌ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ: يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْقَاسِمِ إذَا قَسَمَ شَيْئًا بَيْنَ اثْنَيْنِ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ، كَمَا يُقَلَّدُ الْمُقَوِّمُ لِأَرْشِ الْجِنَايَاتِ؛ لِمَعْرِفَتِهِ بِذَلِكَ.
وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَا اثْنَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاسِمِ فِيمَا قَسَمَ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ أَرْسَلَهُمَا فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ هَذَا، وَهَذَا أَتَمُّ فَائِدَةً، وَيُوَضِّحُ حُكْمَ الْقَاسِمِ بِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إرْسَالِ حَاكِمٍ، وَالْفَرْعُ السَّابِقُ هُوَ الْقَاسِمُ الَّذِي نَصَبَهُ الْحَاكِمُ، قَالَ الْقَرَافِيُّ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْحُكْمِ أَوْ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ؟ وَالْأَظْهَرُ شَبَهُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ اسْتَنَابَهُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا.
فَرْعٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمُفْتِي الْوَاحِدِ، إذَا كَانَ عَدْلًا بَالِغًا سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً، وَيَجُوزُ أَنْ تُقَلِّدَ رَسُولَك إلَيْهِ إذَا كَانَ ثِقَةً، وَكَذَلِكَ إذَا كَتَبَ الْمُفْتِي خَطَّهُ فِي رُقْعَةٍ لِلْمُسْتَفْتِي، جَازَ الْعَمَلُ بِالْخَطِّ إنْ كَانَ الرَّسُولُ ثِقَةً، فَإِنْ عَرَفَ الْمُسْتَفْتِي خَطَّهُ وَكَانَ الرَّسُولُ غَيْرَ ثِقَةٍ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَوَجْهُ هَذَا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ مَعَ ضَرُورَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ، وَكَانَتْ الْخَوَاتِمُ تَجُوزُ عَلَى كُتُبِ الْقُضَاةِ، حَتَّى أُحْدِثَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي لِأَجْلِ حُدُوثِ التُّهْمَةِ عَلَى خَاتَمِ الْقَاضِي، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ الشَّهَادَةَ عَلَى ذَلِكَ هَارُونُ الرَّشِيدِ، وَقِيلَ: أَبُوهُ الْمَهْدِيُّ، قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي.
فَرْعٌ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: إذَا كَانَ الْكِتَابُ مُتَرْجَمًا بِاسْمِ صَاحِبِهِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ رُسُومُ الْمُسْلِمِينَ، مِثْلَ: مُوَطَّأِ مَالِكٍ، وَمُدَوَّنَةِ سَحْنُونٍ، وَكِتَابِ الثَّوْرِيِّ، وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ فِي شَيْءٍ تَجِدُهُ فِيهِ قَالَ فُلَانٌ؟ . قَالَ: فَإِنْ كَانَ مِنْ الْكُتُبِ الَّتِي قَدْ انْتَشَرَ ذِكْرُهَا مِثْلَ: مُوَطَّأِ مَالِكٍ، وَجَامِعِ سُفْيَانَ وَأَمْثَالِهِمَا، جَازَ أَنْ يُعْزَى ذَلِكَ إلَى الْمُتَرْجَمِ عَنْهُ، إذَا كَانَ الْكِتَابُ صَحِيحًا مَقْرُوءًا عَلَى الْعُلَمَاءِ مُعَارِضًا بِكُتُبِهِمْ، فَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ الْكُتُبِ الَّتِي لَمْ تَنْتَشِرْ، لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ حَتَّى يَرْوِيَهُ عَنْ الثِّقَاتِ مَوْصُولًا إلَى الْمُتَرْجَمِ عَنْهُ.
فَرْعٌ: إذَا أَخْبَرَهُ بِعَدَدِ مَا صَلَّى عَدْلٌ فَهَلْ يَكْتَفِي بِهِ؟ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ خِلَافٌ.