حتّى إذا يئس الرّماة فأرسلوا ... غضفا دواجن قافلا أعصامها
أي: علموا ما ظهر لهم فيئسوا من غيره.
وقال آخر «1» :
أقول لهم بالشّعب إذ يأسرونني ... : ألم تيئسوا أنّي ابن فارس زهدم
أي: ألم تعلموا.
ومن المقلوب: أن يقدّم ما يوضّحه التأخير، ويؤخّر ما يوضحه التقديم.
كقول الله تعالى: فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ [إبراهيم: 47] ، أي مخلف رسله وعده، لأنّ الإخلاف قد يقع بالوعد كما يقع بالرّسل، فتقول: أخلفت الوعد، وأخلفت الرّسل، وكذلك قوله سبحانه: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (77) [الشعراء: 77] أي:
فإنّي عدوّ لهم، لأنّ كل من عاديته عاداك.
وكذلك قوله: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8) [النجم: 8] أي: تدلى فدنا، لأنّه تدلّى للدّنوّ، ودنا بالتّدلّي.
ومنه قوله سبحانه: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)
[القيامة: 14] أي: بل على الإنسان من نفسه بصيرة. يريد شهادة جوارحه عليه، لأنها منه، فأقامه مقامها.
قال الشاعر «2» :
ترى الثّور فيها مدخل الظلّ رأسه ... وسائره باد إلى الشمس أجمع
أراد (مدخل رأسه الظلّ) فقلب، لأن الظلّ التبس برأسه فصار كل واحد منهما داخلا في صاحبه. والعرب تقول: (اعرض النّاقة على الحوض) تريد: اعرض الحوض على الناقة، لأنك إذا أوردتها الحوض: اعترضت بكل واحد صاحبه.