وَذَهَبُوا فِي السِّحْرِ إِلَى أَنَّهُ حِيلَةٌ يُصْرَفُ بِهَا وَجْهُ الْمَرْءِ عَنْ أَخِيهِ، وَيُفَرَّقُ بِهَا بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ كَالتَّمَائِمِ1 وَالْكَذِبِ، وَقَالُوا: هَذِهِ رُقًى2، وَمِنْهُ السُّمُّ يُسْقَاهُ الرَّجُلُ فَيَقْطَعُهُ عَنِ النِّسَاءِ، وَيُغَيِّرُ خُلُقَهُ، وَيَنْثُرُ شَعْرَهُ وَلِحْيَتَهُ.

وَإِلَى أَنَّ سَحَرَةَ فِرْعَوْنَ خَيَّلُوا لِمُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَرَوْهُ.

قَالُوا: وَمِثْلُ ذَلِكَ؛ أَنَّا نَأْخُذُ الزِّئْبَقَ، فَنُفْرِغُهُ فِي وِعَاءٍ كَالْحَيَّةِ، ثُمَّ نُرْسِلُهُ فِي مَوْضِعٍ حَارٍّ، فَيَنْسَابُ انْسِيَابَ الْحَيَّةِ.

قَالُوا: وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} 3، إِنَّمَا هُوَ تَخْيِيلٌ، وَلَيْسَ ثَمَّ شَيْءٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ.

وَقَالُوا: فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} 4 هُوَ بِمَعْنَى النَّفْيِ.

أَيْ: لَمْ يَنْزِلْ ذَلِكَ.

وَقَالُوا: الْمَلِكَيْنِ، بِكَسْرِ اللَّامِ.

وَذَكَرُوا عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ، وَيَقُولُ: عِلْجَانِ مِنْ أَهْلِ بَابِلَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:

وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ الَّذِي يَذْهَبُ إِلَى هَذَا، مُخَالِفٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَجَمِيعِ أَهْلِ الْكُتُبِ، وَمُخَالِفٌ لِلْأُمَمِ كُلِّهَا، الْهِنْدُ، وَهِيَ أَشَدُّهَا إِيمَانًا بِالرُّقَى، وَالرُّومُ وَالْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي الْإِسْلَامِ، وَمُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ مُعَانِدٌ لَهُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ قَالَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015