بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا واحد من اللقاءات المتجددة مع كتاب ربنا جل وعلا، وكنا قد انتهينا في اللقاء الماضي مما أردنا أن نعلق عليه من سورة التوبة، ونشرع اليوم إن شاء الله تعالى في تفسير سورة يونس وسنختار بعض الآيات منها للتعليق عليها كما جرت العادة.
وقبل أن نشرع فيها نستذكر بعضاً مما ذكرناه في سورة التوبة، فقد بينا أن الله جل وعلا قال فيها: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [التوبة:60].
وقلنا: إن (إنما) أداة من أدوات الحصر، وقلنا: إن الله جل وعلا هنا جعل الزكاة الشرعية منصرفة إلى ثمانية أقسام، وعدى بعضها باللام وعدى بعضها بفي، والفرق في التعدية باللام والتعدية بفي أن اللام تقتضي التمليك، وأما في فلا تقتضي التمليك، وحتى تظهر المسألة: لو أن إنساناً أراد أن يخرج زكاة ماله فأراد أن يعطي فقيراً فإنه يلزمه شرعاً أن يسلم الفقير المال بنفسه.
يعني: يصل المال إلى الفقير بأي واسطة كانت، فلا بد أن يملكه الفقير حتى تكون هذه الزكاة قد وصلت، وهذا مقتضى قول الرب جل وعلا: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة:60].
وأما التعدية بفي فلا يلزم أن يقبضها من صرفت له بنفسه، فمثلاً: لو وجد مجاهدون متطوعون كما في الزمن القديم فأراد إنسان أن يزكي فاشترى بزكاة ماله فرساً، فوضع الفرس في حظيرة تعطى للمجاهدين فهذا يكفي، ولا يلزم تسليمها إلى مجاهد بعينه، هذا الفرق بين الأمرين.