قال تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود:44].
وهذه أبلغ آية في كتاب الله وكل القرآن بليغ، وقد روي أن ابن المقفع -وهو فارسي كان ذا بلاغة وبيان، وكانوا يقولون: إنه أفصح أهل زمانه- قرر أن يعارض القرآن، فكتب كلاماً وقسمه على هيئة سور، وكان ذكياً فصيحاً، ولا ريب في ذلك، وله كتب مشهورة منها: الأدب الكبير والأدب الصغير، وغير ذلك، فمر على غلام يقرأ هذه الآية: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود:44] فرجع وقال: أشهد أن هذا كلام لا يعارض أبدا، وأحرق ما كان يكتبه.
فهذا الأمر صرف النظر عن بلاغته؛ إذ لا يقدر على أن يقوله إلا الله، فلا يوجد أحد يقول للسماء توقفي، وللأرض: ابلعي، وللماء: غض، وللسفينة: استوي، فينفذ هذا كله ويقع، إلا الله جل وعلا.
واقرأ القرآن بكل أموره، ففيه ما يدل على جلال الله، وفيه ما يدل على جمال الله، فالألفاظ تدلك على جمال الله، والقدرة تدلك على جلال الله، وبأيهما بكيت -جمالاً أو جلالاً- أصبت قوله صلى الله عليه وسلم (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).