ويروى أن رجلاً يقال له: أبو أسيد من السلف كان فقيراً يحتقره الناس، فسأله أحد الناس: من أين تأكل؟ كأنه رآه بغير عمل، فقال: سبحان الله والله أكبر، إن الله يرزق الكلب، أفلا يرزق أبا أسيد؟! وقد جاء في بعض الأحاديث أن الأشعريين وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم، كـ أبي موسي وأبي مالك وأبي عامر، فلما قدموا أناخوا مطاياهم حول المدينة على مقربة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الجوع قد بلغ منهم مبلغه، فقال بعضهم لبعض: أبعثوا رجلاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلبونه طعاما، فاختاروا رجلاً منهم، وقالوا له: اذهب إلى رسول الله وائتنا بطعام، فذهب الرجل، فلما قرب من النبي صلى الله عليه وسلم سمع النبي عليه السلام يقرأ في بيته هذه الآية: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6] فقال: والله ما الأشعريون بأهون الدواب على الله، ثم رجع، ولم يقل للنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فلما أقبل على أصحابه قال: أبشروا بوعد الله، كفيتم، فظن أصحابه أنه بلّغ النبي عليه الصلاة والسلام أمرهم، فما هو إلا قليل حتى جاءهم رجلان بقصعة من ثريد مملوءة، فأكلوا فبقي كثير مما لم يأكلوه، فقالوا نحمله إلى رسول الله ينفع به غيرنا، فأخذه من لا يعلم أن هذا الرجل لم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! جزيت خيراً، فقال (إنني لم أبعث إليكم بشيء).
فهذا رجل قد لا يكون ملكا، ولكن سخره الله جل وعلا لهؤلاء الناس ليأتيهم بطعام.
ومعلوم أن وعد الله حق، ولكن لا يعني ذلك أن يركن الإنسان فيترك الأخذ بالأسباب، ولكن يأخذ بالأسباب، ويعتمد على الملك الغلاب جل جلاله.