الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى وقدر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا نستعين الله جل وعلا في هذا الدرس على تفسير ما تبقى من سورة النحل، وكنا قد تكلمنا عن هذه السورة المباركة، وذكرنا أنها سورة مكية إلا بعض آيات منها قلنا: إننا سنعرج عليها في الدرس الثاني، أي: في هذا الدرس إن شاء الله تعالى، وهي آخر ثلاث آيات منها، وذكرنا كذلك فيها بعضاً من الأحكام والأمور، فذكرنا تحريم الله جل وعلا لبعض اللحوم وإباحته لبعضها واختلاف العلماء فيها، وذكرنا قول الله جل وعلا: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل:66] وغير ذلك من التأملات التي عرجنا عليها فيما سلف.
وأما الآيات التي سنعرج عليها في هذا الدرس فسنبدؤها بقول الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90].
قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: إن هذه الآية أجمع آية في كتاب الله لخير يمتثل ولشر يجتنب.
وقد ذكر بعض الفضلاء من المؤرخين أن عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي المعروف كان يأمر خطباء المساجد أن يضعوا هذه الآية مكان ما كانوا يقومون به من قبل من لعنهم وشتمهم لـ علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فقد كان علي يلعن حيناً من الدهر على المنابر، فلما ولي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أمر بإلغاء شتم علي ولعنه، وجعل مكانه هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90].
ولذلك يعظم شيعة علي عمر بن عبد العزيز رحمه الله، قال كثير، وهو شيعي: وليت فلم تشتم علياً ولم تخف برياً ولم تسمع مقالة مجرمِ فما بين شرق الأرض والغرب كلها مناد ينادي من فصيح وأعجم يقول أمير المؤمنين ظلمتني لأخذ دينار ولا أخذ درهم فلو يستطيع المسلمون لقسموا لك الشطر من أعمالهم غير نُدَّم فكان عمر رضي الله عنه ممن اتفقت كلمة المسلمين على فضله وعدله وإحسانه، وقد أخذ هذه الآية وجعلها مكان ما بيناه.