ثم قال جل وعلا: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل:68].
فبيوت النحل في مواطن ثلاثة رتبها الله جل وعلا بحسب أكثريتها، فأكثر بيوت النحل في الجبال، ثم في الشجر، ثم فيما يبنيه بنو آدم له.
ثم قال جل وعلا: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [النحل:69] و (كل) هنا لا تعني العموم؛ لأن النحل لا يأكل من كل الثمر، وإنما يأكل من كل شيء يحسن الأكل منه، ونظيره في القرآن {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف:25]، والريح لم تدمر كل شيء؛ لأن الله قال بعدها {فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:25]، فأثبت جل وعلا المساكن مع أنه قال: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف:25]، وقال جل وعلا عن بلقيس: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل:23]، ومعلوم أن بلقيس لم تعط من كل شيء، وإنما المقصود أنها أعطيت كل شيء يعطاه الملوك عادة، وإلا فما كان عندها من الملك كما عند سليمان.
ثم قال تعالى: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل:69].
وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [النحل:12]، إن الغنم والنحل تأتي إلى الثمار فتأكلها فتختلط في بطونها فيخرج من الأنعام لبن ويخرج من النحل عسل، وكل من اللبن والعسل فيه منفعة للناس؛ لأن يد ابن آدم لم تدخل فيه، أما ثمرات النخيل والأعناب التي خالطتها يد ابن آدم فيخرج منها الشيء المحمود كالرزق الحسن، ويخرج منها السكر، وعلى هذا يفهم أن من سكر فهو في الفهم أقل من الأنعام، ولا يقال: (بل أضل) إلا في الكافر.
قال تعالى: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:69].
أعظم ما في العسل أنه شفاء للناس، وهذا أمر مشهور لا يحتاج إلى بيان.