ثم قال تعالى: {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [النحل:14].
قضايا اللباس مما اضطربت أقوال العلماء فيها كثيراً، ولكن نقول: إن الذهب والفضة الأصل فيهما الحل، إلا أن الذهب حرمه نبينا صلى الله عليه وسلم على على الرجال، وأباح الفضة للرجال والنساء، والاتفاق قائم على للنساء، وفي إباحة الفضة للرجال خلاف، لكن الذي عليه جماهير العلماء أنها جائزة للرجال والنساء.
وهذه الحلية التي أطلقها الله هنا في باب الامتنان وجاءت السنة مفسرة لها لابد من أن يراعى فيها حال اللبس، فإذا قلنا بجواز الفضة للرجال والنساء فإنه لا يجوز للرجل أن يتحلى بالفضة على هيئة حلية النساء، فلا يجوز للرجل أن يضع قلادة ولا أن يضع قرطاً في أذنه، ولا سواراً في يده، ولا خلخالاً في رجله ولو كان من فضة، فإن قيل لنا: إن ظاهر الأحاديث على إباحة الفضة أجبنا بأن المنع هنا ليس لكونها فضة، بل للتشبه بالنساء.
ومما يجوز للرجال والنساء اتفاقاً عند أكثر العلماء الخاتم، وقد اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم أول أمره خاتماً من ذهب ثم نزعه، ثم اتخذ خاتماً من فضة نقش عليه (محمد رسول الله) صلى الله عليه وسلم.
ولا يجوز لأحد أن يجعل نقش خاتمه (محمد رسول الله)، ولورود النهي عنه، وإنما ينقش عليه غير ذلك مما يخصه.
وقد قال مالك رحمه الله: إن الأئمة الثلاثة - أبا بكر وعمر وعثمان - وأكثر الصحابة والعلماء والسلاطين كانوا ينقشون على خواتمهم، وكان بعض العلماء يكتب (حسبي الله ونعم الوكيل) وكان نقش خاتم الإمام الزهري (على الله يتوكل أبو محمد) وغير ذلك، وهذا مذكور في كتب المؤرخين والكتب التي تتكلم عن سير الملوك، حيث كانوا يضعون نقشاً على خواتمهم.
ويقولون: إن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى بلغه أن أحد أبنائه اشترى خاتماً بألف درهم، فبعث إليه يقول: قد بلغني أنك اشتريت خاتماً بألف درهم، فبعه وأطعم به ألف جائع، ثم اتخذ خاتماً من حديد وانقش عليه (رحم الله امرأ عرف قدر نفسه).