قال تعالى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ} [الحجر:6 - 8].
(لو) إذا جاء بعدها الفعل المضارع فإنه يقصد بها الحث أو الحظ، وهي هنا للحث، وإذا جاء بعدها الفعل الماضي فغالباً يراد بها التوبيخ، كقول الله تبارك وتعالى: {فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً} [الأحقاف:28]، وقول الله جل وعلا: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور:13] فهذا كله باب توبيخ.
فالمقصود بـ (لو) هنا الحث، فالقرشيون يقولون: {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ} [الحجر:7] وهذا المطلب القرشي من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالملائكة تكرر كثيراً في القرآن، كقوله تعالى عنهم: {فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف:53]، فكان القرشيون يطالبون النبي صلى الله عليه وسلم دائماً بأن ينزل الملائكة.
والسبب في عدم نزول الملائكة هو أنه لو جاء ملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم فما آمن الكفار لحصل العذاب مباشرة، قال الله جل وعلا: {وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ} [الأنعام:8] فلو أنزل الله جل وعلا ملائكة فإن الأمر سينقضي تماماً، فقال الله جل وعلا: {وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ} [الأنعام:8] فالله تبارك وتعالى لم ينزل الملائكة رحمة بهم.
قال تعالى: {مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ} [الحجر:8] هذا شاهد لما قلنا، و (إذاً) هنا جاءت منونة، والتنوين هنا تنوين عوض عن جملة، ومعنى الآية: ((وَمَا كَانُوا)) إذا نزلت الملائكة فكذبوا بهم ((مُنْظَرِينَ)).