والمهاجرون: كلمة أطلقت على من هاجر إلى مكة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا هجرة بعد الفتح) يقصد: لا هجرة من مكة، وإلا فالهجرة قائمة إلى الآن، فيترك الإنسان ديار الكفر ويأتي ديار الإسلام.
والذي يعنينا أن هؤلاء المهاجرين هم أعلى الأمة مقاماً؛ لأن الله بدأ بهم، واختلف في معنى (السابقين)، فمنهم من قال: هم من صلوا إلى القبلتين، وفرض تحويل القبلة بعد ستة أو سبعة عشر شهراً من الهجرة إلى المدينة، فمن آمن قبل هذا يكون من السابقين على هذا القول.
وقال آخرون: من شهد بدراً، وهذا أوسع زمناً.
ومنهم من قال: من شهد بيعة الرضوان، وأظنه أرجح وأرحم، فمن شهد بيعة الرضوان في السنة السادسة وكان قد هاجر إلى المدينة قبل هذا الوقت يدخل في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ} [التوبة:100].
والمهاجرون رضي الله عنهم وأرضاهم كثر، ومن أشهرهم الخلفاء الأربعة الراشدون.
ثم قال جل وعلا: {وَالأَنصَارِ} [التوبة:117] والأنصار تسمية شرعية وليست تسمية نسبية، وإنما سمو أنصاراً لأنهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا أطلقت فإنه يراد بها الأوس والخزرج، والأوس والخزرج رجلان أخوان اسم أحدهما: الأوس بن حارثة واسم الآخر الخزرج بن حارثة، وحارثة ممن هاجروا من اليمن بعد وقوع السد وسكنوا المدينة، وكانت قبائل اليمن قد تفرقت في مواطن شتى، وسكن منهم الأوس والخزرج المدينة، فإذا قيل: (الأنصار) فإنه ينطلق في أول المقام إلى الأوس والخزرج.
وكان بينهما من النزاع والنفرة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ما الله به عليم، فلما بعث صلوات الله وسلامه عليه آخى بينهم وسماهم الأنصار، وقد جاء في الأحاديث الصحاح الكثير من مناقبهم، قال عليه الصلاة والسلام: (لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار)، وقال: (اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار) وقال: (إن الناس يكثرون والأنصار يقلون) وأوصاهم بالصبر، وقال لهم: (إنكم ستجدون أثرة بعدي، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) رضي الله عنهم وأرضاهم، وقد قدموا أنفسهم ودورهم ومهجهم وأموالهم من أجل نصرة الله ورسوله.
ومن أشهر الأنصار من الأوس سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ومن أشهر الأنصار من الخزرج سعد بن عبادة وحسان بن ثابت رضي الله تعالى عنهما، وبنو عمر بن عوف الذين نزل النبي صلى الله عليه وسلم في دارهم في أول مقدمه المدينة بعد هجرته.