وعلى الناحية الأخرى لا يجوز للمؤمن أن يغلو في تعظيمه صلى الله عليه وسلم، فهو عليه الصلاة والسلام بشر، وليس له من خصائص الإلهية ولا الربوبية شيء، وإن كان أفضل الخلق مقاماً، وأعلاهم منزلة بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
وقد نشأت مظاهر هذا الغلو بعد سقوط بغداد على يد هولاكو حيث أصاب الأمة مرحلة من الضعف السياسي والاقتصادي والعلمي والعقدي، حتى ظهر ما يسمى بأدب التصوف أو بأدب المدائح النبوية، فجاء أقوام يبالغون فيه صلى الله عليه وسلم لقلة العلم العقدي، فأنشئت قصائد لا تجوز شرعاً في حقه صلى الله عليه وسلم، منها قصيدة البوصيري المشهورة: أمن تذكر جيران بذي سلم مزجت دمعاً جرى من مقلة بدم أم هبت الريح من تلقاء كاظمة وأومض البرق بالظلماء من إضم وقد سماها: الدرر البهية في مدح خير البرية أو كلمة نحوها، وقد مات في آخر القرن السابع، وأمره إلى الله.
وقال في القصيدة عفا الله عنا وعنه: يا أكرم الرسل ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم ولا ريب في أن هذا عين الشرك وعين الكفر الذي بعث النبي صلى الله عليه وسلم لهدمه ونقضه، حتى قال الإمام الشوكاني رحمه الله معلقاً على هذا البيت: إنا لله وإنا إليه راجعون، انظر كيف غفل عن الله ولاذ بالنبي صلى الله عليه وسلم، والنبي عبد لله ورسول من رسل الله صلى الله عليه وسلم؟! فمثل هذا لا يمكن أن يقبل، ولا يجوز ما قاله البوصيري ولا ما قاله أترابه وأقرانه ممن غالوا فيه صلوات الله وسلامه عليه، وهو عليه الصلاة والسلام بما أعطاه الله من المناقب في غنى عما قاله هؤلاء الضعفاء في الإيمان، والجاهلون، فله صلى الله عليه وسلم المقام الرفيع، ولكن لا يجوز لأحد أن يغلو فيه صلوات الله وسلامه عليه.