ثم قال الله: {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ} [التوبة:2]، أي: وإن أذن الله قدراً وشرعاً أن تبقوا أربعة أشهر تسيحون في الأرض؛ فإن ذلك لا يعني أبداً خروجكم وانفكاككم عن سلطان الله؛ لأن هذا العطاء من الله.
ثم قال تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} [التوبة:2]، أي: الخزي للكافرين واقع لا محالة في الدنيا والآخرة، واقع في الدنيا بالحرب والقتل والأسر، وبما يقع لهم من التعذيب والنكال، ويقع في الآخرة بشيء واحد هو عذاب النار.
وقوله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة:2] يجب أن تعلم أن المخاطب به المشركون، ولذلك لا يجوز نزع الآية من سياقها والاحتجاج بها، وقد قرأت مرة لأحدهم يكتب عن السياحة على أنه يجوز للمؤمن السياحة مطلقاً في أي ديار، فقال: فإن السياحة مباحة، قال الله جل وعلا: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ} [التوبة:2].
وهذا إخراج للنص عن سياقه ووضعه في موضع غير موضعه.
فقوله تعالى: (فسيحوا في الأرض) المخاطب به المشركون، والمقصود أن لكم أماناً من الله بأن تبقوا في الأرض أربعة أشهر أعطاكم الله إياها حتى يراجع المرء منكم حسابه، ويتدبر في أمره، فربما يفيء إلى أمر الله، وبعد ذلك ينتهي الأمان الذي أعطاهم الله جل وعلا.