الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا درس حول تأملات لنا في كتاب ربنا جل جلاله، وقد كنا قد انتهينا إلى سورة الأنفال، وسنشرع في هذا الدرس -إن شاء الله تعالى- في تأملات في سورة التوبة، سائلين الله جل وعلا التوفيق لما يحبه ويرضاه، والعون والسداد على التأمل فيه.
وإن المخاطب بمثل هذه التأملات هم طلبة العلم في المقام الأول، ولهذا يهمنا جداً أن نعرج على ما في الآيات من مسائل علمية يحسن تدوينها، والمقصود من هذه الدروس وأضرابها إنشاء جيل قرآني يتدبر القرآن، وهذه مساهمة -لا أكثر ولا أقل- في إحياء جيل ينشأ على تدبر القرآن؛ لأن الله جل وعلا نعى إلى أهل الإشراك غفلتهم عن القرآن بقوله: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24].
فنقول مستعينين بالله جل وعلا: سورة التوبة سورة مدنية، وعدد آياتها مائتان وتسع وعشرون آية، وهذه السورة من آخر ما نزل من القرآن، كما ثبت عند البخاري في صحيحه في كتاب التفسير من حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه أن سورة براءة آخر ما نزل.
وليس المقصود بأنها آخر ما نزل كآية، وإنما هي آخر ما نزل كسورة مجملة، وأما آخر آية نزلت ففيها خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: هي قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:281] وهو الأظهر، ومنهم من قال: هي آية المائدة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3] وقيل غير ذلك، ولكن هذين هما المشهوران.