أولاً: الوقفات أو التأملات اللغوية في قول الله جل وعلا: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:1].
كلمة سبحان تعرب عند النحويين على الأظهر عند جمهورهم على أنها مفعول مطلق لفعل محذوف، وهي في حق الله جل وعلا ملازمة للإضافة؛ فإما أن تضاف إلى الاسم الظاهر فتقول سبحان الله سبحان ربي، أو تضاف إلى الضمير فتقول: سبحانه أو سبحانك، على أن هذا اللفظ -أي كلمة سبحانك- معناه تنزيه الرب جل وعلا عن ما لا يليق به؛ وعلى هذا فلا تقال هذه الكلمة إلا مع الرب جل وعلا، أي لا يقال لأحد من الخلق كائناً من كان سبحانك، فلا يقال: سبحان إلا مضافة إلى رب العزة جل جلاله، ولا يقال لأحد من الخلق كائناً من كان ملكاً مقرباً أو نبياً مرسلاً، حتى للنبي صلى الله عليه وسلم لا يقال: سبحان الرسول! وإنما تضاف فقط للرب جل وعلا، تقول: سبحان الله سبحان ربي، أو أن تتكلم عن الله فتقول: سبحانه، أو أن تناجي ربك فتقول: سبحانك.
الأمر الأول لغوياً.
الأمر الثاني: قال الله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء:1].
جاءت هنا كلمة ليلاً كما هو ظاهر منكَّرة، واختلف العلماء في الغرض البلاغي من كونها منكَّرة، قال بعضهم: المراد بها هنا التقليل، ووجه البلاغة أنهم كانوا يسيرون من مكة إلى بيت المقدس في أربعين ليلة، والتقليل هنا أن الله جل وعلا أسرى بنبيه بجزء قليل من الليل من مكة إلى بيت المقدس، ثم إلى سدرة المنتهى ثم إلى بيت المقدس، ثم إلى مكة في جزء قليل من الليل على هذا قال بعضهم: هذا المراد من تنكير كلمة ليل.
وقال آخرون: إن المراد من التنكير التعظيم، ويصبح المعنى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء:1] أي في ليل وأي ليل دنى فيه نبينا صلى الله عليه وسلم من ربه وناجاه فيه، وكلمه ربه وقرّبه وأدناه صلوات الله وسلامه عليه.
ونقول والله أعلم: لا مانع من الأخذ بكلا الأمرين، ومن قواعد التفسير: إذا كان للآية معنيان لا تعارض بينهما يجوز حمل الآية على المعنيين، إذا الآية هنا احتملت معنيين لا تعارض بينهما كما هو ظاهر.