قال الله في الآية: {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة:253]، فهي آية محكمة صريحة واضحة في أن التفضيل قائم بين الأنبياء، ولكنه ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد وغيره- أنه قال: (لا تفاضلوا بين الأنبياء)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تخيروا بين الأنبياء)، فهنا إشكال، ولا بد من حل ذلك الإشكال، وهذا الإشكال قائم بين منطوق الآية، في قوله تعالى: {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة:253]، وبين منطوق الحديث، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تخيروا بين الأنبياء).
وقد أجاب العلماء رحمهم الله عن هذا بأجوبة من أشهرها: أن هذا كان قبل أن يعلم عليه الصلاة والسلام بأن هناك تفاضلاً، وهذا أضعف الأقوال في حل الإشكال.
القول الثاني: قال بعض العلماء: إن التفاضل يكون ممنوعاً في حالة أن يكون معتمداً على عصبة وحمية، أي: أن يأتي كل مسلم فيفضل الرسول الذي من الأمة التي هو منها أو ينتسب إليها عرقاً أو غير ذلك، قالوا: إذا كان التفاضل مبنياً على حمية وعصبية فهو ممنوع، ويجوز فيما سوى ذلك.
وهذا القول مال إليه كثير من العلماء، ومعنى الكثير لا يعني الغلبة، ولكن قال به عدد غير محدود.
وممن أجاب عن هذا من العلماء الشيخ الإمام الشنقيطي في أضواء البيان، حيث قال: إن حل الإشكال أن يقال: إن الأنبياء يتساوون في أصل النبوة، ويكون التفاضل في الأعطيات التي خص الله بها بعضهم دون بعض.
والقول الرابع قول ابن عطية رحمه الله، كما نقله عنه القرطبي، وهو أصوب الآراء فيما نعتقد، فقال رحمه الله: إن التفاضل يكون ممنوعاً إذا كان مخصوصاً بين نبي بعينه ونبي آخر، فيكون ممنوعاً إذا كان بين مخصوصين، كأن يكون بين موسى وعيسى، أو بين محمد وإبراهيم، أو بين موسى ونوح، لأن هذا يورث شيئاً في الصدور، ولكن أن تبين فضل الله على نبي بخلاف ما عليه غيره من الأنبياء هو الذي أراده الله في قوله: {فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة:253] وإلى هذا الرأي نميل، والله تعالى أعلم، فهذه هي أجوبة العلماء على الإشكال القائم بين الآية وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تفضلوا -وفي رواية كما في الصحيحين: لا تخيروا بين الأنبيا).