ثم ذكر الله جل وعلا صفتين من صفاتهم، وسنقف عندهما وقفة علمية لا وقفة وعظية.
قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18]، فالله جل وعلا هنا يخبر عن حال أهل النعيم، فالآية في سيقال المدح، وحين تفسر لابد لك من أن تستحضر سياق الآية حتى لا تقع في حواجز اللغة.
فـ (ما) في قوله تعالى: (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون) معنيين: المعنى الأول: أن تكون نافية، والمعنى الثاني: أن تكون موصولة.
فإذا قلنا: إنها نافية يصبح معنى الآية: كانوا قليلاً من الليل لا يهجعون.
أي: أن قيامهم في الليل قليل بالنسبة إلى النوم.
وإن قلنا: إنها موصولة يصبح المعنى: كانوا أكثر الليل قائمين بين يدي ربهم، وقليلاً ما ينامون.
فمن حيث اللغة العربية تحتمل الآية معنيين؛ لأن (ما) في اللغة تأتي موصولة، وتأتي نافية، ولا يعرف المرجح إلا من السياق العام، والسياق العام في معرض المدح والثناء، وأنا كنت في معرض المدح والثناء، فإنه لا يمكن أن تكون (ما) نافية، فلا يُعقل أن الله يثني على خلق من خلقه وعدهم الجنان، وأعطاهم ما يشاءون بأنهم كانوا أكثر الليل نائمين.
فحواجز اللغة هنا أخرجها السياق القرآني؛ لأنه سياق مدح وثناء على تلك الفئة.