ويتنزل على هذه الآية التي ذكرناها مسائل عدة: أولها: الفرق بين النبي والرسول، فأكثر المصنفين في كتب العقيدة وغيرها يقولون: إن بين النبي والرسول فرقاً، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، ويقولون: إن الفرق بينهما هو إن الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، والنبي من أوحي إليه بوحي ولم يؤمر بتبليغه، وهذا عليه أكثر من صنف، ولكنه خلاف الصحيح؛ فإن الله جل وعلا أعز وأجل من أن يوحي إلى عبد علماً ويجعل هذا العلم سرير الكتمان في صدر ذلك الرجل يموت بموته ولا يؤمر ببلاغه، فهذا أمر يتنافى مع الشرع.
فهذا التعريف غير مستقيم، ولا بد من تعريف مستقيم، فنقول: إن التعريف المستقيم هو أن الرسول من أوحي إليه شرع جديد، وأما النبي فمن بعث على تقرير شرع من قبله، ومثال ذلك موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام، فموسى جاء بالتوراة، وجاءت بعده أنبياء لا يسمون رسلاً؛ لأنهم كانوا يحتكمون إلى التوراة، فهم أنبياء وليسوا رسلاً، ولما جاء عيسى عليه الصلاة والسلام جاء بالإنجيل، فخرج عن كونه نبياً إلى كونه نبياً رسولاً؛ لأن الإنجيل فيه شريعة غير الشريعة التي جاء بها موسى عن ربه ودونت في التوراة، مع اتفاقهم أجمعين -عليهم الصلاة والسلام- على أنهم بعثوا بالتوحيد والإيمان بالبعث والنشور واليوم الآخر، فهذا أمر اتفقت عليه كلمة النبيين، وإنما كان الاختلاف في الشرائع، فإذا جاء النبي وقرر الشرع الذي قبله فهو نبي، وإذا جاء بشرع جديد فهو رسول.