ثم قال الله جل وعلا بعد أن ذكر هذه القضية يربي عباده الصالحين على الإيمان: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:2 - 4].
فذكر الله جل وعلا هنا أصحاب المنازل العالية من أهل الإيمان الحق الذين اصطفاهم واجتباهم، سواء من النبيين أو من أتباعهم إلى يوم الدين، فلم يذكر الله أعياناًًًًًًًًًًًًً بأسمائها، وإنما ذكر صفات يتحلون بها جعلتهم مؤمنين حقاً.
فقال في أولها: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال:2]، والوجل هو الخوف، والمعنى: أنهم يصيبهم من الخوف والوجل والطمع والرغبة فيما عند الله ما تقشعر له الأبدان، وترتجف له القلوب، ثم لا تلبث قلوبهم أن تسكن، وجوارحهم أن تهدأ بعد ذكر الرب تبارك وتعالى، وهذا من أعظم دلائل الإيمان، أي: أن يوجل قلب المؤمن إذا ذكر الله تبارك وتعالى، فإذا خوف بالله خاف، وإذا ذكر بالله ذكر، وإذا اتعظ بالله اتعظ، وإذا قيل له اتق الله لم تأخذه العزة بالإثم.