الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى وقدر فهدى، وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإن هناك أموراً نذكر بها، ومنها: أن القرآن أم العلوم كلها، وأن الإنسان إذا قدر له أن يفقه كتاب الله فقد أصبح بيده مقاليد العلم كلها، ذلك أن جميع العلوم تفيء إلى القرآن، على أننا -ونحن نشرح- قد نطيل الوقوف عند آية ونتجاوز آية أخرى على هيئة أسرع، والمقصود أن الآيات تتفاوت فيما نريد إيصاله إليك لكونك طالب علم في المقام الأول.
وقد نقل الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله تعالى عن شيخه الإمام الشنقيطي صاحب أضواء البيان أنه سأله عندما كان يفسر القرآن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: له إنك رجل ذو باع عظيم في العلم، فلماذا اخترت التفسير دون سائر العلوم مع قدرتك على إتيان كثير من المسائل وشرحها؟! فقال الشيخ رحمه الله تعالى -وهو العارف بكتاب الله-: إن العلوم كلها تفيء إلى القرآن.
أو نحو ذلك من المعنى.
والمقصود أن هناك مسائل في العقيدة ومسائل في الفقه ومسائل في التربية ومسائل في الدعوة متنوعة متعددة سنقف عند كل منها بقدر المستطاع، وسنحاول أن نكثر من بعضها ونقلل من بعضها بحسب ما يمليه الموقف وبحسب ما تمليه الآية.
كما أننا نخاطب في المقام الأول طلبة العلم، فلذلك قد لا يغلب الوعظ على الدرس كله وإن كان لا بد منه، لكن فمما يعين طالب العلم على طلب العلم -بعد استعانته بالله- أن يجد مادة علمية يعقد عليها خنصره وبنصره، فإذا وجد شيئاً يعقد عليه أصابعه وازداد الكم الذي يأخذه مع مراجعته إياه استمر في الطريق، ولكن إن وجد طالب العلم نفسه يكرر مسائل بعينها فتغدو عليه الشهور والأيام وهو ما زال رهين مسائل معدودة، أصابه سآمة وملل من العلم نفسه، وهذا ما نحاول بقدر الإمكان تلافيه.