ثم أخذ يبرئ ساحته أمام النصارى، فقال: {مَا قُلْتُ لَهُمْ} [المائدة:117] و (ما) نافية (إِلاَّ) للاستثناء {مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} [المائدة:117] فأنا عبد أنفذ أوامرك، وأؤدي ما أوكلته إلي، ولا أستطيع أن أخرج عن أمرك مثقال ذرة.
قال تعالى: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة:117] (أن) حرف تفسير لا محل له من الإعراب، فجملة: (أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) مفسرة لقوله: (إلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ) يعني: الذي أمرتني به هو (أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ)، وقد مر بنا نحو هذا في سورة البقرة، ومنه قول الله جل وعلا: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} [الحجر:66]، فقوله: {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} [الحجر:66] مفسر لقول الله جل وعلا: {ذَلِكَ الأَمْرَ} [الحجر:66].
وكذلك قول الله تبارك وتعالى: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة:117] مفسر لقول الله تبارك وتعالى: {إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} [المائدة:117]، فعيسى عليه السلام قبل أن يقرر أن الله رب لهم قرر أن الله رب له هو فقال: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة:117] وهذا هو التوحيد الذي بعث الله جل وعلا به الرسل من نوح إلى محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والذي لا يقبل الله من أحد صرفاً ولا عدلاً إلا بتحقيقه.