فقرر واصل مذهب الاعتزال، من أفصح خلق الله رغم أنه كان فيه لثغة فلا يستطيع نطق الراء، فكان يجلس يتكلم الساعات ولا أحد يعرف أنه فيه لثغة في الراء، فكان لا يأتي بكلمة فيها راء فيقول: الحمد لله القديم بلا ابتداء، الباقي بلا انتهاء، ويذكر الله ويصف ويشرح ويتكلم ويخرج وأنت لا تدري أنه لا يأتي بالراء؛ لأنه ما قال كلمة بالراء لقوة بلاغته، ومع ذلك أضله عقله؛ أضله عقله؛ لأنه حكم على الناس بأن الفاسق ترد شهادته وأنه في منزلة بين المنزلتين، ومن أعظم ضلاله أنه قال -وبئس ما قال- يقول: إن علياً رضي الله عنه والحسن والحسين وعمار حاربوا عائشة وطلحة والزبير، فرد كل النصوص التي جاءت في فضل هؤلاء رضي الله عنهم وأرضاهم، وقال بالعقل: واحد فيهم فاسق، وواحد ظالم، وواحد مظلوم، وقال: وأنا لا أدري من الظالم من المظلوم! أي: لا أدري من الفاسق، فقال: لو شهد عندي علي والحسن والحسين وعائشة وطلحة والزبير وعمار لما قبلت شهادتهم في بقل ولا بصل؛ لأنهم فساق ترد شهادتهم! وهو يزعم أن مذهبه قام على العقل، وسنبين بالعقل أن مذهبه باطل، فقد قيل له: اشرح لنا معنى منزلة بين المنزلتين؟ فقال: أنا لا أقول مثل الخوارج إنهم كفار يقتلون في الدنيا، ولا أقول مثل ما تقولون يا أهل السنة: إنهم مسلمون أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، بل أقول: في الدنيا تجري عليهم أحكام أهل الإسلام فهم مسلمون، وفي الآخرة كفار مخلدون في النار تجري عليهم أحكام أهل الكفر؛ لأنهم لم يتوبوا، هو معنى الوعد والوعيد عندهم، فيقول: إنه لازم على الله أن يعذبهم؛ لأن الله عدل لا يترك أحداً لا يعذبه وهو قد عصاه، فمعنى المنزلة بين المنزلتين أنه تجري عليه في الدنيا أحكام أهل الإسلام، لا ما مثل قول الخوارج: إنه يقتل وفي الآخرة كافر يدخل جهنم ويخلد فيها ولا يدخل الجنة أبداً.
والرد عليهم سيكون بالعقل دون الآيات والأحاديث، فعندما نجري عليه أحكام الدنيا فإنه إذا مات يغسل ويكفن ويصلى عليه، فهذه أحكام الدنيا على المسلم، فإذا صلينا عليه وهو مرتكب كبيرة فإننا نقول في الدعاء: اللهم اغفر له وارحمه وعافه، فهل نقول ذلك ونحن نعرف أنه كافر داخل النار؟! فبذلك يكون الدعاء للمسلمين باطلاً وعبثاً، وهذا أكبر دليل على أن المذهب كله باطل.
ومن أئمتهم جار الله الزمخشري، يقول: إن الله لن يُرى في الآخرة، وله تفسير (الكشاف)، موجود في المكتبات، وهذا التفسير آية في البيان، فقد كان الزمخشري فصيحاً، ولكنه ضيعه بما فيه من مذهب الاعتزال والدعوة إليه.
فهذا المذهب كان في عصر بني أمية، ثم انتشر في عهد بني العباس وتبناه المأمون ومات، ثم كتب لأخيه المعتصم أن يتبنى المذهب فتبناه المعتصم، وبسببه أوذي وعذب الإمام أحمد حتى جاء المتوكل فألغى مذهب الاعتزال وتبرأ منه وأعاد مذهب أهل السنة بعد أربعة عشر عاماً من انتصار المعتزلة، ثم بعد ذلك ظهر المذهب كرة أخرى في دولة بني بويه الشيعية عام 334 هـ، وجعلوا القاضي عبد الجبار أحد أئمة المعتزلة قاضي القضاة في ذلك العصر.