ونلحظ في قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] وجود (حتى)، وقد قال أحد النحاة قبل أن يموت: أموت وفي نفسي شيء من (حتى)، والمعنى: أن حتى حرف غريب في تأثيره فيما بعده، وذلك أنهم لما نظروا إلى الأحرف وجدوا أن عملها واضح جلي، فبعضها ينصب، وبعضها يجزم، وبعضها عاطف، وبعضها استئنافي، وأما (حتى) فوجدوا أنها تقبل الجميع، كقولك: أكلت السمكة.
فـ (أكلت) فعل وفاعل، و (السمكة) مفعول به، ويقال بعد ذلك: (حتى رأسها) قالوا: إن قلت: أكلت السمكة حتى رأسُها بالرفع صح، وإن قلت أكلت السمكة حتى رأسَها بالنصب صح، وإن قلت أكلت السمكة حتى رأسِها بالجر صح، وهذا الذي أشكل على النحاة، فقولك: (أكلت السمكة حتى رأسُها)، تصبح فيه (حتى) حرف استئناف، فيصبح المعنى: أكلت السكة حتى رأسها أكلت، فتعرب (رأسها) مبتدأ، و (أكلت) المقدر المحذوف خبراً.
وإن قلت: (أكلت السمكة حتى رأسَها) بالنصب تكون قد جعلت (حتى) حرف عطف، فعطفت كلمة (رأس) على السمكة.
وإن قلت: (أكلت السمكة حتى رأسِها) بالجر تكون قد جعلت (حتى) حرف جر، وما بعدها اسم مجرور.