تاملات (صفحة 179)

أن نسميها السياسة المقارنة أو الإقتصاد المقارن، مثل الدراسات التي خصصها (تيبور موند) للحالة في جنوب آسيا الشرقية، فإننا نفاجأ في مثل هذه الدراسات باعتبارات ذات طابع نفسي جديد، يترجم عن روح العصر وعن الاتجاهات والدوافع الخفية الجديدة، التي سجلها التطور في أعماق الأنفس، فنكون مثلاً نقرأ صفحة عن الإصلاح الزراعي في الهند، وإذا بجملة عن الإنتاج الزراعي في الصين تعترضنا فجأة، إن هذا يعني أن الحقائق الاجتماعية والإقتصادية في بلد ما، لا تصاغ في ضوء الأرقام التى تعبر عن حاجات وضرورات البلد فحسب، بل تسلط عليها أضواء من الخارج، وتقاس بمقاييس وأرقام تأتي من بلد بعيد، وليس في هذا الاتجاه إلا ضرورة من نوع جديد تعبر عن تصغير العالم وسعة التطور فيه، وعن وحدة المصير الذي يتجه إليه اليوم التاريخ، كما تتجه الإبرة المغناطيسية إلى قطبها في مجال المغناطيسية.

وكل هذه الاعتبارات مسجلة اليوم في شعورنا وفي لا شعورنا، مسجلة بأي صفة كانت في أنفسنا، حتى إنه لا يمكن لأي شعب أن يفصل حياته عن هذا القانون العام، الذي صاغه العامل الفني خلال نصف القرن الأخير، لا يمكنه أن يفصل حياته عنه دون أن يتعرض إلى خطر النشوز في العالم والخروج من التاريخ، لأن التاريخ يعزل من لا يسير في اتجاهه، وكل من عزله التاريخ فإنه يدخل حتما في حظيرة الشعوب البدائية أو في حظيرة العدم، مثل الشعوب التي اكتشفها (كولومب) في أميركا. فهذه هي الظروف العامة الجديدة التي تدخل فيها النهضة العربية في عهدنا، الذي لا نعرف اسمه بعد وإنما نرى علاماته في الآفاق وفي أنفسنا، وهكذا تدخل نهضتنا عهد الصاروخ لتحقق مصير كل عربي ونصيبا من مصير الإنسانية.

وهكذا يجب علينا حينما نضع قضية النهضة العربية نصب أعيننا أن ندرس مقتضياتها من جانبين: بنظرة إلى الخارج لنحدد واجباتها نحو العالم أي لنحدد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015