تاملات (صفحة 137)

مرتقبة صوتا يرشدها إلى الطريق، بعد أن لم تعد يطيب لها المقام. وهكذا شعر بنو إسرائيل أنه لا بد من السير إلى حيث تدعوهم الأقدار، ورأوا في موسى ذلك النقذ الذي يستطيع أن يقوم بهذه المهمات جميعها، فارتفع صوته أولاً في بني إسرائيل، ليصور لهم حالة الإنقاذ التي لم يكونوا يشعرون بها من قبل، فدكّ صوته الارواح الساكنة المستسلمة، فحركها وأشاع فيها القلق؛ ثم صور لهم ضرورة السير معه في الطريق. ولكن أين نهاية هذا الطريق؟ ذلك مالم يكونوا يعلمونه، ولكنهم مع ذلك ساروا معه، لأن شعور بني إسرائيل بحالة الإنقاذ كان أقوى لديهم من غريزة المحافظة على الحياة. ولذلك فإنهم لم يترددوا في الدخول معه في اليم مستسلمين للخطر. ولكن وراء هذا الخطر الذي تحداه موسى بمعجزة يقصها علينا القرآن الكريم، كان بنو إسرائيل يرون رأي العين الغاية التي يسيرون إليها.، وقد تجسدت في شخص المنقذ الذي شق الطريق أمامهم بعصاه.

وهذه الصورة النفسية قد تكررت مع نتائجها الاجتماعية أكثر من مرة في تاريخ الإنسانية، مع اختلاف الغايات التي تسير إليها الشعوب حينما يهزها الشعور بحالة إنقاذ، فتسير وراء خطوات منقذ يشخص لها الغايات، حتى تصبح وكأنها تراها وتلمسها، كما رأى أصحاب بدر الجنة على مقدار شبر منهم، حتى إن بعضهم ليلقي بحفنة تمر كان يأكلها ليدخل المعركة، لأنه كان يرى الجنة أقرب إليه من التمرات التي كانت بيده.

والحالة النفسية هذه قد تكررت في عصرنا ولكن في اتجاه آخر، ولغايات أخرى في حياة الشعب الألماني مثلاً. فإن التاريخ قد حقق جميع شروط حالة إنقاذ ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى. فلقد كان الشعور بالقلق يسيطر على الحياة، ويسود جميع الأوساط، مما دفع المارشال هندنبرج إلى توجيه ندائه التاريخي ليطلب الخبرة من أميركا حوالي سنة 1925.

وهكذا تهيأت جميع الشروط التي فيها يظهر النقذ. ولقد كان منقذ الشعب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015