تاملات (صفحة 136)

وبالتالي فإنه لا يبذل أي محاولة لتغيير الوضع من حوله، إذ تسير الأشياء والحوادث دونما تدخل من إرادته. وهنا يصبح التاريخ سيلاً يجرفه إلى حيث لا يدري مستسماً له الاستسلام المطلق.

فإذا ما حدثت في المجتمع حالة جديدة غيرت هذه الأوضاع كلها، فإن موقف الإنسان هنا يتغير أمام الحوادث والأشياء، وبالتالي يتغير مجرى التاريخ.

وهذا لا يحدث إلا في حالات معينة من تاريخ المجتمعات. ولو أننا أخذنا بالتحليل هذه الحالات، لوجدنا أنها أولا وقبل كل شيء حالة قلق، يسودها الشعور بالخطر، سواء أكان الخطر واقعياً أم مجرد فكرة خامرت العقول. وهكذا يسود المجتمع وضع جديد نستطيع تسميته بحالة إنقاذ.

وأول ما يكون من أثر هذه الحالة في نفس الفرد، أنها تحرمه الشعور بالاستقرار، بما يعتريه ويسيطر على مشاعره من قلق، لا يمكن دفعه إلا بتغيير الوضع، بتغيير الأشياء، بالوقوف أمام الحوادث لتوجيهها لغايات واضحة وقريبة في شعور الفرد، سواء أكان الواقع يؤيد هذا الشعور أم لا يؤيده.

فلقد رأينا إحدى صورها تحققت في تاريخ بني إسائيل، الذين كان فرعون يسومهم من العذاب ألواناً، يستحي نساءهم ويقتل أبناءهم ويسخرهم لأحقر الاعمال وأشقها، من غير أن يجد بنو إسائيل المخرج من هذا العذاب، حتى استسلمت أنفسهم له ورضوا به وهم كارهون.

ولقد ظلوا على ذلهم حتى جاءهم موسى عليه السلام، فأثار قضية بني إسرائيل أول ما أثارها في أذهان بني جلدته أنفسهم، فصور لهم حالة خطر أو بالضبط حالة إنقاذ، لا تستطيع معها النفوس أن تعمد إلى الاستقرار بما يسودها من القلق الدائم، وتتعلق أنظارها في الأفق مرتقبة الحدث الذي يغير وضعها،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015