القَاضِي عِيَاض: زِيَارَة قَبره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنة من الْمُسلمين مجمع عَلَيْهَا. وَأما الْآثَار فكثيرة جدا، عَن يزِيد الْمهْدي قَالَ: لما ودعت عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ: إِنِّي لي إِلَيْك حَاجَة. قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَيفَ ترى حَاجَتك عِنْدِي؟ قَالَ: إِنِّي أَرَاك إِذا أتيت الْمَدِينَة سترى قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأقرئه مني السَّلَام. وَعَن حَاتِم بن وردان قَالَ: كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يُوَجه الْبَرِيد قَاصِدا من الشَّام إِلَى الْمَدِينَة، ليقرئ عَنهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّلَام. وَفِي بَاب الْحَج من فَتَاوَى الْفَقِيه أبي اللَّيْث قَالَ أَبُو الْقَاسِم: لما أردْت الْخُرُوج إِلَى مَكَّة قَالَ الْقَاسِم بن غَسَّان: إِن لي إِلَيْك حَاجَة إِذا أتيت قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأقرئه مني السَّلَام. فَلَمَّا وضعت رجْلي فِي مَسْجِد الْمَدِينَة ذكرت لَك. قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث: فِيهِ دَلِيل أَن من لم يقدر على الْخُرُوج فَأمر غَيره ليسلم عَنهُ فَإِنَّهُ ينَال فضل السَّلَام إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي مُسْند الدَّارمِيّ: أَنه لما كَانَ أَيَّام الْحرَّة لم يُؤذن فِي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثًا وَلم يقم وَلم يبرح سعيد بن الْمسيب فِي الْمَسْجِد، وَكَانَ لَا يعرف وَقت الصَّلَاة إِلَّا بهمهمة يسْمعهَا من قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَعَن أم الدَّرْدَاء قَالَت: لما رَحل عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ من فتح بَيت الْمُقَدّس فَصَارَ إِلَى الخابية، فَسَأَلَهُ بِلَال أَن يقره بِالشَّام فَفعل ذَلِك، فَقَالَ: وَأخي أَبُو رويحة يَعْنِي عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الْخَثْعَمِي الَّذِي آخى بيني وَبَينه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَنزل دَارنَا فِي خولان فَأقبل هُوَ وَأَخُوهُ إِلَى قوم من خولان، فَقَالَ لَهُم: إِنَّا قد أَتَيْنَاكُم خاطبين، وَقد كُنَّا كَافِرين فهدانا الله تَعَالَى، ومملوكين فأعتقنا الله تَعَالَى، وفقيرين فأغنانا الله تَعَالَى، فَإِن تزوجونا فَالْحَمْد لله تَعَالَى، وَإِن تردونا فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، فزوجوهما، ثمَّ إِن بِلَالًا رأى فِي مَنَامه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَقُول: مَا هَذِه الجفوة يَا بِلَال أما آن لَك أَن تزورني. فانتبه بِلَال حَزينًا وجلاً خَائفًا، فَركب رَاحِلَته وَقصد الْمَدِينَة فَأتى قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يبكي عِنْده ويمرغ وَجهه عَلَيْهِ، فَأقبل الْحسن وَالْحُسَيْن فَجعل يضمهما ويقبلهما، فَقَالَا لَهُ: يَا بِلَال نشتهي نسْمع أذانك الَّذِي كنت تؤذن لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد فَفعل، فعلا سطح الْمَسْجِد فَوقف موقفه الَّذِي كَانَ يقف فِيهِ، فَلَمَّا قَالَ: الله أكبر الله أكبر ارتجت الْمَدِينَة، فَلَمَّا قَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله ازدادت رجتها، فَلَمَّا قَالَ: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله خرجت الْعَوَاتِق من خُدُورهنَّ، وَقَالُوا: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا رُؤِيَ يَوْم أَكثر باكياً وَلَا باكية بِالْمَدِينَةِ بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذَلِك، ذكره ابْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة بِلَال. وَلَيْسَ الِاعْتِمَاد فِي الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث على رُؤْيا الْمَنَام فَقَط، بل على فعل بِلَال وَهُوَ