أما ذكر وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ الله تَعَالَى: " إِنَّك لمَيت وَإِنَّهُم ميتون ". حكى أَبُو معَاذ عَن النَّحْوِيين أَن الميْت بِالتَّخْفِيفِ الَّذِي فَارقه الرّوح، وبالتشديد الَّذِي لم يكن يمت بعد وَهُوَ يَمُوت، فَأخْبرهُ تَعَالَى أَنه ميّت إِشَارَة إِلَى قَوْله تَعَالَى: " كل من عَلَيْهَا فان ". ثمَّ عَن الله تَعَالَى خيّره حِين بعث إِلَيْهِ ملك الْمَوْت على أَن يقبض روحه أَو ينْصَرف، فَلم يُخَيّر قبله نَبِي وَلَا رَسُول أَلا ترى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حِين قَالَ ملك الْمَوْت: أجب رَبك، فَلَطَمَهُ ففقأ عينه، وَلَو أَتَاهُ على وَجه التَّخْيِير لما بَطش بِهِ، وَقَول ملك الْمَوْت حِين رَجَعَ: إِنَّك أرسلتني إِلَى عبد لَا يُرِيد الْمَوْت قَالَ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الثَّعْلَبِيّ: وقصة مُوسَى وَملك الْمَوْت لَا يردهَا إِلَّا كل مُبْتَدع ضال، يُؤَيّدهُ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن ملك الْمَوْت كَانَ يَأْتِي النَّاس عيَانًا حَتَّى أَتَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ليقبضه فَلَطَمَهُ ففقأ عينه، فجَاء ملك الْمَوْت بعد ذَلِك خُفْيَة ". وَكَذَلِكَ قصَّته مَعَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام حِين غلقت عَلَيْهِ أبوابه فَرَأى ملك الْمَوْت عِنْده فَقَالَ لَهُ: مَا أدْخلك دَاري بِغَيْر إذني، فَقَالَ: أَنا الَّذِي أَدخل على الْمُلُوك بِغَيْر إِذن، فَقَالَ: فَأَنت ملك الْمَوْت، قَالَ: نعم، قَالَ: جِئْت دَاعيا أم ناعياً؟ قَالَ: بل ناعياً، قَالَ: فَهَلا أرْسلت إليّ قبل ذَلِك لأستعد للْمَوْت؟ قَالَ: كم أرْسلت إِلَيْك فَلم تنتبه، قَالَ: وَمن كَانَت رسلك؟ قَالَ: يَا دَاوُد أَيْن أَبوك؟ أَيْن أمك؟ أَيْن أَخُوك؟ قَالَ: مَاتُوا، قَالَ: أما علمت أَنهم رُسُلِي وَأَن النّوبَة تبلغك. قَالَ الْعلمَاء: وابتدأ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَعه يَوْم الْخَمِيس فِي لَيَال بَقينَ من صفر، وَقيل: فِي أول ربيع الأول فِي السّنة الْحَادِيَة عشر من الْهِجْرَة، وَمُدَّة مَرضه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اثْنَي عشر يَوْمًا، وَقيل: أَرْبَعَة عشر، وَكَانَ مَرضه بالصداع، وَاشْتَدَّ وَجَعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيت مَيْمُونَة فَدَعَا نِسَاءَهُ واستأذنهن فِي أَن يمرض فِي بَيت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَأذن لَهُ فَخرج يمشي بَين رجلَيْنِ من أهل بَيته الْفضل بن الْعَبَّاس وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا وَخرج نَهَار الْخَمِيس فصلى على أَصْحَاب أحد