مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي خِلَافَته كَسَاه قبطية ثمَّ كتب إِلَى مَرْوَان بن عبد الحكم وَهُوَ عَامله على الْمَدِينَة أَن ارْفَعْ الْمِنْبَر عَن الأَرْض، فَدَعَا لَهُ النجارين ورفعوه عَن الأَرْض وَزَادُوا من أَسْفَله سِتّ دَرَجَات، وَصَارَ الْمِنْبَر بِسبع دَرَجَات بِالْمَجْلِسِ. قَالَ ابْن زبالة: لم يزدْ فِيهِ أحد قبله وَلَا بعده. وَقَالَ الشَّيْخ جمال الدّين: هَذَا فِي زمَان مُحَمَّد بن زبالة، وروى أَيْضا عَن ابْن زبالة أَن طول مِنْبَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا زيد فِيهِ أَرْبَعَة أَذْرع وَمن أَسْفَله عتبَة، وَذكر ابْن زبالة أَيْضا أَن الْمهْدي بن الْمَنْصُور لما حج سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَة قَالَ للْإِمَام مَالك بن أنس رَحمَه الله: أُرِيد أَن أُعِيد مِنْبَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على حَاله الأول، فَقَالَ لَهُ مَالك: إِنَّمَا هُوَ من طرفاء وَقد شدّ إِلَى هَذِه العيدان وَسمر فَهِيَ ببركته حفت أَن تتهافت فَلَا أرى تَغْيِيره، فَتَركه الْمهْدي على حَاله، قيل: إِن الْمهْدي فرق فِي هَذِه الْحجَّة ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَمِائَة ألف وَخمسين ألف ثوب، وَحمل إِلَيْهِ الثَّلج من بَغْدَاد إِلَى مَكَّة وكسا الْبَيْت ثَلَاث كساوي بَيْضَاء وحمراء وسوداء توفّي بِمَاء سندان بِموضع يُقَال لَهُ الرَّد، فِي الْمحرم سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة. قَالَ الشَّيْخ جمال الدّين: وَذكر لي يَعْقُوب بن أبي بكر بن أوحد من أَوْلَاد المجاورين بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة وَكَانَ أَبوهُ أَبُو بكر فراشا من قوام الْمَسْجِد الشريف، وَهُوَ الَّذِي كَانَ حريق الْمَسْجِد على يَدَيْهِ وَاحْتَرَقَ هُوَ أَيْضا فِي حَاصِل الْحرم، إِن هَذَا الْمِنْبَر الَّذِي زَاده مُعَاوِيَة وَرفع مِنْبَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجد قد تهافت على طول الزَّمَان وَإِن بعض خلفاء بني الْعَبَّاس جدده وَاتَّخذُوا من بقايا أَعْوَاد مِنْبَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمشاطاً للتبرك بهَا، والمنبر الَّذِي ذكره ابْن النجار هُوَ الْمَذْكُور أَولا فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَارِيخه: وَطول الْمِنْبَر الْيَوْم ثَلَاثَة أَذْرع وشبر وَثَلَاثَة أَصَابِع، والدكة الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا من رُخَام طولهَا شبر وَعقد، وَمن رَأسه إِلَى عتبته خَمْسَة أَذْرع وشبر وَأَرْبع أَصَابِع، وَقد زيد فِيهِ الْيَوْم عتبتان وَجعل عَلَيْهِ بَاب يفتح يَوْم الْجُمُعَة. قَالَ الشَّيْخ جمال الدّين: فَدلَّ ذَلِك على أَن الْمِنْبَر الَّذِي احْتَرَقَ غير الْمِنْبَر الأول الَّذِي عمله مُعَاوِيَة وَرفع مِنْبَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوْقه. قَالَ الْفَقِيه يَعْقُوب بن أبي بكر: سَمِعت ذَلِك مِمَّن أدْركْت بِأَن بعض الْخُلَفَاء جدد الْمِنْبَر وَاتخذ من بقايا أعواده أمشاطاً، وَإِن الْمِنْبَر المحترق هُوَ الَّذِي جدده الْخَلِيفَة الْمَذْكُور، وَهُوَ الَّذِي أدْركهُ الشَّيْخ محب الدّين قبل احتراق الْمَسْجِد الشريف، فَإِن الْحَافِظ محب الدّين كتب التَّارِيخ فِي سنة ثَلَاث