أَطَم. قَالَ الْخطابِيّ: هُوَ بِنَاء من الْحِجَارَة، وَمثله الآجام والعياص. ثمَّ نزل أَحيَاء من الْعَرَب على يهود وَذَلِكَ أَنه كَانَ بِالْمَدِينَةِ قرى وأسواق من يهود بني إِسْرَائِيل وَكَانَ قد نزلها عَلَيْهِم أَحيَاء من الْعَرَب وابتنوا مَعَهم الأطام والمنازل قبل نزُول الْأَوْس والخزرج وهم بَنو أنيف حَيّ من بلَى، وَيُقَال: إِنَّهُم لمن بَقِيَّة العماليق وَبَنُو مرْثَد حَيّ من بلَى، وَبَنُو مُعَاوِيَة بن الْحَارِث بن بهية من بني قيس بن عيلان، وَبَنُو الجذمي حَيّ من الْيمن، وَكَانَ جَمِيع مَا ابتنى الْعَرَب من الْآطَام بِالْمَدِينَةِ ثَلَاثَة عشر أطماً.
ذكر نزُول الْأَوْس والخزرج الْمَدِينَة
لم تزل الْيَهُود الْغَالِبَة على الْمَدِينَة حَتَّى جَاءَ سيل العرم، وَكَانَ مِنْهُ مَا كَانَ وَمَا قصّ الله فِي كِتَابه، وَذَلِكَ أَن أهل مأرب وَهِي أَرض سبأ كَانُوا آمِنين فِي بِلَادهمْ تخرج الْمَرْأَة بمغزلها لَا تتزود شَيْئا تبيت فِي قَرْيَة وتقيل فِي أُخْرَى حَتَّى تَأتي الشَّام، وَلم يكن فِي أَرضهم حَيَّة وَلَا عقرب وَلَا مَا يُؤْذِي، فَبعث الله إِلَيْهِم ثَلَاثَة عشر نَبيا فكذبوهم وَقَالُوا: " رَبنَا باعد بَين أسفارنا " فَسلط الله عَلَيْهِم سيل العرم وَهُوَ السَّبِيل الشَّديد الَّذِي لَا يُطَاق وَقيل: العرم اسْم الْوَادي. وَقيل: اسْم الْمِيَاه. وَذَلِكَ أَن الله بعث عَلَيْهِم جرذاً يُسمى الْخلد والخلد هُوَ الفأر الْأَعْمَى فَنقبَ السد من أَسْفَله حَتَّى دخل السَّيْل عَلَيْهِم فغرقت أَرضهم. وَقيل: أرسل عَلَيْهِم مَاء أَحْمَر فخرب السد وتمزق من سلم مِنْهُم فِي الْبِلَاد، وَكَانَ السد فرسخاً فِي فَرسَخ بناه لُقْمَان الْأَكْبَر العادي للدهر على زَعمه، وَكَانَ يجْتَمع إِلَيْهِ مياه الْيمن من مسيرَة شهر، وَتقدم فِي الْبَاب قبل هَذَا قَضِيَّة طريفة الكاهنة وَمَا قَالَت لقومها وَأَنَّهَا قَالَت لَهُم: من كَانَ مِنْكُم يُرِيد الراسيات فِي الوحل المطعمات فِي الْمحل فليلحق بِيَثْرِب ذَات النّخل. فلحق بهَا الْأَوْس والخزرج فوجدوا الْآطَام وَالْأَمْوَال وَالْقُوَّة للْيَهُود فعاملوهم زَمَانا فَصَارَ لَهُم مَالا وعدداً، فَمَكثَ الْأَوْس والخزرج مَعَهم مَا شَاءَ الله ثمَّ سألوهم أَن يعقدوا بَينهم وَبينهمْ جواراً وحلفاً يَأْمَن بِهِ بَعضهم من بعض، ويمتنعون بِهِ مِمَّن سواهُم، فتعاقدوا وتحالفوا واشتركوا وتعاملوا، فَلم يزَالُوا على ذَلِك زَمَانا طَويلا حَتَّى قويت الْأَوْس والخزرج وَصَارَ لَهُم مَال وَعدد فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْظَة وَالنضير حَالهم خافوهم أَن يغلبوهم على دُورهمْ وَأَمْوَالهمْ فتنمروا لَهُم حَتَّى قطعُوا الْحلف الَّذِي كَانَ بَينهم، وَكَانَت قُرَيْظَة وَالنضير أعز وَأكْثر فأقامت الْأَوْس والخزرج فِي مَنَازِلهمْ