هَلَكت الْأمة وَفِيه بَيَان عظم توكل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى فِي هَذَا الْمقَام. قَالَ النَّوَوِيّ: وَفِيه فَضِيلَة لأبي بكر وَهِي أجل مناقبه من أوجه أَحدهَا: هَذَا اللَّفْظ الْمُعْطى تكريمه وتعظيمه. وَثَانِيها: بذل نَفسه ومفارقته أَهله وَمَاله ورياسته فِي طَاعَة الله وَرَسُوله وملازمة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومعاداة النَّاس فِيهِ. وَثَالِثهَا: جعل نَفسه وقاية عَنهُ انْتهى كَلَامه قيل: وَرَابِعهَا تَخْصِيص الله تَعَالَى إِيَّاه فِي أَمر نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باستصحابه دون غَيره من سَائِر النَّاس وَمن فَوَائِد الحَدِيث بَيَان كَرَاهَة الْمكْث بَين الْكفَّار والفجار والفساق الَّذين لَا يتدينون بِالْحَقِّ وَلَا يُمكن حملهمْ عَلَيْهِ وَمِنْهَا جَوَاز التحصن بالقلاع عِنْد الْخَوْف من الْعَدو وَمِنْهَا: أَن تعهد الْأَسْبَاب فِي الحاجيات لَا يقْدَح فِي التَّوَكُّل والاعتماد على الله تَعَالَى وَمِنْهَا: أَنه يجوز الْأَخْذ بالحزم وَإِظْهَار ظن السوء المتوقع من الْعَدو، وَلَيْسَ ذَلِك من الظَّن الْمنْهِي عَنهُ لِأَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَأَبْصَرنَا تَحت قَدَمَيْهِ وَلم يُنكر عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْهَا أَنه يجوز المسافرة بالرفيق الْوَاحِد عِنْد الْحَاجة بِلَا كَرَاهَة وَإِن ورد خير الرفقاء أَرْبَعَة فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يستصحب سوى أبي بكر وَمِنْهَا أَنه يجوز لأحد الْفَرِيقَيْنِ أَن يظْهر لصَاحبه خَوفه مِمَّا يخَاف مِنْهُ ليخفف عَن نَفسه ببث الشكوى وليكون صَاحبه وَاقِفًا على الْحَال مستعداً لما عساه أَن يعرض. وَمِنْهَا: أَنه يَنْبَغِي للمشكو إِلَيْهِ أَن يسكن جأش الشاكي ويعده الْجَمِيل من الله تَعَالَى ويحثه على حسن الظَّن بِهِ وَمِنْهَا: اسْتِعْمَال الْأَدَب فِي المخاطبات بِذكر الْإِنْسَان بكنيته وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يتَضَمَّن الْإِكْرَام لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا بكر. وَمِنْهَا: جَوَاز التكنية بِأبي فلَان وَإِن لم يكن للمكنى ابْن مُسَمّى بذلك إِذْ لم يكن لأبي بكر ابْن يُسمى بكرا. وَعَن غَالب بن عبد الله عَن أَبِيه عَن جده أَنه قَالَ: شهِدت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لحسان بن ثَابت: " قلت فِي أبي بكر شَيْئا قل: حَتَّى أسمع " قَالَ: قلت: وَثَانِي اثْنَيْنِ فِي الْغَار المنيف وَقد ... طَاف الْعَدو بِهِ إِذْ صاعد الجبلا وَكَانَ حب رَسُول الله قد علمُوا ... من الْخَلَائق لم يعدل بِهِ بَدَلا فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي الحَدِيث: بَيَان فضل جبل ثَوْر بِمَا خصّه الله بِهَذِهِ المزية الْكَرِيمَة والمنقبة الْعَظِيمَة من بَين سَائِر الأطواد والأعلام حَيْثُ جعله متحصن خير الْأَنَام وقلعة رَسُول الله وحبيبه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَفِيه: بَين فَضِيلَة هَذَا الْغَار الشريف على سَائِر المغائر حَيْثُ كَانَ صدفاً لأشرف الْجَوَاهِر، وكهفاً لكهف الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ وكنفاً لكنف الْخَلَائق من الْأَوَّلين والآخرين وَأنْشد للرافعي: فَخص بِذكر الله خير مغار ... وَلَا تتغافل عَن هجوم مغار وَكن حذرا من غيرَة الله واستقم ... لَدَيْهِ لِئَلَّا تبتلى بصغار