الْجنُوب من على يَمِين الشَّمْس، و " يُسَمِّي هَذَا الْجَبَل بَعضهم جبل النُّور "، ولعمري إِنَّه كَذَلِك لِكَثْرَة مجاورة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتعبده فِيهِ، وَمَا خصّه الله فِيهِ من الْكَرَامَة بالرسالة إِلَيْهِ ونزول الْوَحْي فِيهِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ فِي غَار فِي أَعْلَاهُ مَشْهُور يأثره الْخلف عَن السّلف رَحِمهم الله ويقصدونه بالزيارة، وَأما مَا ذكر الْأَزْرَقِيّ فِي تَارِيخه فِي ذكر الْجبَال: من أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى هَذَا الْجَبَل واختبئ فِيهِ من الْمُشْركين فِي غَار فِي رَأسه مشرف مِمَّا يَلِي الْقبْلَة. فَقَالَ بعض من عاصرناه: إِن هَذَا لَيْسَ بِمَعْرُوف، وَالْمَعْرُوف أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يختبئ من الْمُشْركين إِلَّا فِي غَار ثَوْر بِأَسْفَل مَكَّة. انْتهى. وَيُؤَيّد مَا ذكره الْأَزْرَقِيّ مَا قَالَه القَاضِي عِيَاض ثمَّ الشهيلي فِي " الرَّوْض الْأنف "، أَن قُريْشًا حِين طلبُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ على ثبير فَقَالَ لَهُ ثبير وَهُوَ على ظَهره: اهبط عني يَا رَسُول الله، فَإِنِّي أَخَاف أَن تقتل على ظَهْري فيعذبني الله، فناداه حراء إليّ يَا رَسُول الله. فَيحْتَمل أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اختبئ فِيهِ من الْمُشْركين فِي وَاقعَة ثمَّ اختفى فِي ثَوْر فِي وَاقعَة أُخْرَى وَهِي خبر الْهِجْرَة. وَقَالَ السُّهيْلي فِي حَدِيث الْهِجْرَة: وأحسب فِي الحَدِيث أَن ثوراً ناداه أَيْضا لما قَالَ لَهُ ثبير: اهبط عني. وَهَذَا الْغَار الَّذِي فِي الْجَبَل مَشْهُور بِالْخَيرِ وَالْبركَة؛ لحَدِيث بَدْء الْوَحْي الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَأورد ابْن أبي جَمْرَة سؤالاً وَهُوَ: أَنه لم اخْتصَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغَار حراء فَكَانَ يَخْلُو فِيهِ ويتحنث دون غَيره من الْمَوَاضِع وَلم يُبدلهُ فِي طول تحنثه؟ وَأجَاب عَن ذَلِك بِأَن هَذَا الْغَار لَهُ فضل زَائِد على غَيره من قبل أَن يكون فِيهِ منزوياً مجموعاً لتحنثه وَهُوَ يبصر بَيت ربه وَالنَّظَر إِلَى الْبَيْت عبَادَة، فَكَانَ لَهُ اجْتِمَاع ثَلَاث عبادات وَهِي الْخلْوَة والتحنث وَالنَّظَر إِلَى الْبَيْت، وَجمع هَذِه الثَّلَاث أولى من الِاقْتِصَار على بَعْضهَا دون بعض، وَغَيره من الْأَمَاكِن لَيْسَ فِيهِ ذَلِك الْمَعْنى، فَجمع لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي المبادي كل حسن بَادِي. انْتهى. وَعَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: جَاءَت خَدِيجَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحيس وَهُوَ بحراء فَجَاءَهُ جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد هَذِه خَدِيجَة قد جاءتك تحمل حَيْسًا مَعهَا وَالله يَأْمُرك أَن تقرئها السَّلَام وتبشرها بِبَيْت فِي الْجنَّة من قصب لَا صخب فِيهِ وَلَا نصب، فَلَمَّا أَن رقت