الشحاني والنّواب في حلب ودمشق وسائر بلاد الشام وعاد الى ديار مصر بحيث ان هناك يجمع العساكر ويشتدّ ويقوى على ملتقى المغول. ولما وصل قريبا من غزّة نهض عليه بيبرز [1] المعروف بالبندقدار الصغير وهو مملوك البندقدار الكبير وقتله وأخذ جماعة ودخل الى مصر وتسلمها وتمكّن وقوي ولقّبوه ركن الدين الملك الظاهر واشتدّ بأسه وتسلّط على جميع المدن والقلاع التي على ساحل البحر للافرنج. وفي سنة تسع وخمسين وستمائة عاد دخل المغول الى الشام وفي رأس العسكر امير يسمّى كوكالكي ودخلوا الى قريب حمص ونهبوا وسبوا وقتلوا خلقا كثيرا وعادوا الى حلب وكان قد انهزم جميع اهل القرايا الى حلب فتقدّم كوكالكي ان يخرج اهل القرايا والمدن الى ظاهر البلد وينعزل اهل كل مدينة وقرية بمعزل بحيث يعدّونهم ويسيّرون كل قوم الى مكانهم ووطنهم.
وتسلّمهم المغول كأنهم يسيّرونهم الى ضياعهم وعند ما يبعدون يقولون: أنتم لو كانت قلوبكم معنا صافية لما انهزمتم من قدّامنا. فقتلوهم عن أقصاهم ولم يفلت منهم غير اهل حلب بحيث انهم لم ينتقلوا عن حلب. وعاد المغول خرجوا من الشام ثم عاد المصريّون تملكوا الشام.
وفيها هرب علاء الدين بن بدر الدين لؤلؤ صاحب سنجار الى مصر. ولما اقام هناك مدّة يسيرة كتب الى أخيه الملك الصالح إسماعيل صاحب الموصل يعرّفه قوّة البندقدار وعظمته وأشار عليه بترك الموصل وقصده خدمة البندقدار بحيث انه إذا استولى البندقدار على قهر المغول وأخذ البلاد منهم يكون له اليد البيضاء عنده ويملكه مع الموصل بلادا اخرى من المشرق. ولما وصل الكتاب الى الملك الصالح ووقف عليه وضعه تحت طراحته وكان عنده في ذلك الوقت من الأمراء شمس الدين محمد بن يونس الباعشيقي من جملة أمراء أبيه النوّاب ببلد نينوى. فغافله وأخذ الكتاب من تحت الطرّاحة وخرج من عنده ولم يلبث حتى وصل الى قريته باعشيقا. بعد ذلك مدّ يده ليأخذ الكتاب فلم يجده فوقع عنده ان شمس الدين بن يونس قد أخذ الكتاب وصار عنده القلق العظيم لأجل ذلك وسيّر القصّاد في الحال في طلبه وقد عزم على قتله. وعند ما وصل المماليك اليه اشغلهم بالأكل والشرب وقال لهم: ان هذه الليلة كلوا واشربوا وعند الصباح نركب الى خدمة السلطان. وأوصى غلمانه فأكثروا عليهم الشراب واسكروهم وناموا. فأخذ شمس الدين بن يونس أولاده وما يعزّ عليه وركب من أول الليل وتوجه يقصد اربل وكان له مشورة مع الرؤساء النصارى بناحية برطلي فعبر عليهم وعرّفهم