مسامرتهم معه تلك الليلة في ذكر العدالة الموجبة لعمار البلاد ويقول لسليمان بك في التمثيل: الإنسان الذي يكون له ماشية يقتات هو وعياله من لبنها وسمنها وجبنها يلزمه أن يرفق بها في العلف حتى تدر وتسمن وتنتج له النتاج بخلاف ما إذا اجاعها واجحفها واتعبها واشقاها واضعفها حتى إذا ذبحها لا يجد بها لحما ولا دهنا فقال: هذا ما اعتدناه وربينا عليه فقال: إن اعطاني الله سيادة مصر والإمارة في هذا القطر لامنعن هذه الوقائع واجري فيه العدل ليكثر خيره وتعمر بلاده وترتاح أهله ويكون احسن بلاد الله ولكن الإقليم المصري ليس له بخت ولا سعد وأهله تراهم مختلفين في الاجناس متنافوي القلوب منحرفي الطباع فلم يمض على هذا الكلام إلا بقية الليل وساعات من النهار حتى أحاطوا به وفر هاربا ونجا بنفسه وجرى ما تقدم ذكره من اختفائه وظهوره وانتقاله إلى الجهة القبلية واجتماع الجيوش عليه وحكمت عليه الصورة التي ظهر فيها وحصل له ما حصل.

واخبرني من اجتمع عليه في البحيرة وسامره فقال: يا فلان والله يخيل لي أن اقتل نفسي ولكن لا تهون علي وقد صرت الآن واحدا بين الوف من الاعداء وهؤلاء قومي وعشيرتي فعلوا بي ما فعلوا وتجنبوني وعادوني من غير جرم ولا ذنب سبق مني في حقهم واشقوني واشقوا أنفسهم وملكوا البلاد لاعدائي واعدائهم وسعيت واجتهدت في مراضاتهم ومصالحتهم والنصح لهم فلم يزدهم ذلك إلا نفورا وتباعدا عني ثم هذه الجنود ورئيسهم الذين ولجوا البلاد وذاقوا حلاوتها وشبعوا بعد جوعهم وترفهوا بعد ذلهم يجيشون علي ويحاربوني ويكيدوني ويقاتلوني ثم أن هؤلاء العربان المجتمعين علي اصانعهم واسوسهم واغاضبهم وأراضيهم وكذلك جندي ومماليكي وكل منهم يطلب مني رياسة وإمارة ويظنون بغفلتهم أن البلاد تحت حكمي ويظنون إني مقصر في حقهم فتارة اعاملهم باللطف وتارة ازجرهم بالعنف فانا بين الكل مثل الفريسة والجميع حولي مثل الكلاب الجياع يريدون نهشي وأكلي وليس بيدي كنوز قارون فأنفق على هؤلاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015